هكذا يكون رجل الدين.. البابا فرنسيس "بابا الشعب"!

سجل البابا فرنسيس رحمه الله خلال حياته التي امتدت 89 عاماً الكثير من المناقب والميزات والمميزات، فالبابا فرنسيس هو أول بابا يتم اختياره من خارج أوروبا "الأرجنتين" منذ أكثر من 1200 عام كما أنه أول بابا من الأميركيتين. أما سمات العيش التي عاشها فقد تميزت وعلى خلاف البابوات الآخرين بالبساطة الشديدة والابتعاد الكبير عن البذخ والإسراف والبهرجة والمظاهر، فقد رفض وبعد اختياره للكرسي البابوي السكن في مقر إقامة البابوات المعتمد منذ أكثر من قرن من الزمن وهي الشقق الفخمة في القصر الرسولي واختار بدلا من هذه الشقق الفخمة العيش في "دوموس سانكتا مارثا" وهي دار ضيافة متواضعة داخل الفاتيكان تستخدم عادة لإقامة الكرادلة، وبرر ذلك برغبته في العيش وسط الناس حيث أقام في جناح بسيط داخل هذه الدار حيث كان يحتفظ بتمثال صغير للسيدة العذراء وبصليب خشبي.

من الميزات الأخرى للبابا أنه رفض تقاضي راتب رسمي وكانت معظم الأصول المرتبطة به تعود إلى منصبه البابوي وليس لملكيته الشخصية حيث ترك ثروة تقدر بعشرين مليون دولار والتي من المتوقع أن تخصص للأغراض الخيرية أو تعاد إلى الكنيسة والتي اكتسبها من حقوق النشر أو التبرعات.

وصفته صحيفة "الغارديان" البريطانية العريقة بوصف "بابا الشعب" وذلك لحضوره القوي وغير المسبوق بين الفقراء والمهمشين، فمن الأمور التي تؤكد عمق ايمانه بالبساطة والتواضع فقد أوصى بأن يُدفن في قبر بسيط دون زخرفة يكتب عليه فقط اسمه فرنسيس بلا ألقاب وباللغة اللاتينية.

ومن ميزاته النادرة قياساً بالذين سبقوه في منصب الكرسي البابوي ما يلي:

* تخلى عن كل شيء من الذهب والفضة.

* رفض أن يكون لديه خدم في شقته الصغيرة المتواضعة.

* قرر أن يتنقل في سيارة صغيرة "فورد فوكس" بدلاً من السيارات الفارهة التي كان يتنقل بها الآخرون من طراز "مرسيدس"، أو "بي ام دبليو".

* كان يتناول الطعام مع عمال وموظفي الفاتيكان وليس في غرفة طعام خاصة كما كان يفعل الذين سبقوه على مدى أكثر من قرنين من الزمن.

* منذ أن اعتلى الكرسي البابوي قرر ارتداء حذاء لونه اسود كرمز للتواضع بخلاف ذلك الحذاء الاحمر الارستقراطي الذي اعتاد سابقوه ارتداءه، كما اعتاد ارتداء ملابس بسيطة بلا أي زينة مجرد ملابس بيضاء وصليب.

* ترك رسالة مؤثرة ومهمة وهي "ليس المهم ما تملكه بل من أنت وما تقدمه للأخرين".

كل ما سبق ليس عادياً بل هي صفات لرجل دين وضع حب الله وطاعته واتباع عدله هدفا لم يتزحزح عنه ولم يرضخ لأي ابتزاز كان وبخاصة فيما يتعلق بالعدالة التي اعتبر فيها فلسطين وشعبها هي الأساس.

مواقف المرحوم بإذن الله البابا فرنسيس من فلسطين وقضية شعبها وغزة هي الدليل القاطع على الضمير الحي، والبابا كان واضحاً في اعتبار ما جرى ويجري في غزة إبادة جماعية، وتعرض إلى انتقادات لاذعة من اليمين الإسرائيلي باعتباره منحازا للشعب الفلسطيني وكأن هذا الانحياز من البابا هو نوع من الظلم للمحتل ولممارساته اللا أخلاقية.

لقد كان البابا الأكثر شجاعة في تعرية الاحتلال، وكان على تواصل دائم مع الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة الموجودة في قطاع غزة بشكل يومي بعد السابع من أكتوبر وكان يتصل بالكاهن رومانيلي ومساعده يوسف أسعد.

ومن المهم جداً الإشارة إلى أن "كنيسة العائلة المقدسة" الوحيدة في غزة كانت بمثابة الملاذ الآمن والتي وصفت بأنها وعلى لسان البابا المرحوم "جزيرة الأمل" وسط الدمار الذى كان وما زال في غزة، هذه الكنيسة الجزيرة "يتيمة" اليوم، وأقامت بعد إعلان وفاة البابا فرنسيس قداساً تأبينياً قرعت فيه الأجراس وارتفعت فيه الصلوات استذكاراً لمواقف البابا المناصرة لغزة وسط أصوات القنابل والقصف والدمار.

مع كل ما سبق، لم يحضر جنازة هذا الرجل العظيم كممثل كبير عن العالم الإسلامي إلا جلالة الملك عبدالله الثاني وجلالة الملكة رانيا وهو ما يدلل على أن العرش الهاشمي كان ومازال حريصاً على صناعة السلام القيمي والأخلاقي بين الشعوب والأمم على أرضية الحق والعدالة.

 

Loading...