"كانت السويداء وستبقى جزءاً لا يتجزأ من سورية الموحدة، والانتماء إلى الوطن هو شرف وواجب". هذا ما جاء في البيان المشترك الذي أصدره، يوم الجمعة الماضي، زعماء الطائفة الدرزية في محافظة السويداء، ورفض موقعو البيان فكرة "التقسيم" أو "الانفصال" عن الدولة، وهي مصطلحات تعبّر عن التطلع إلى إنشاء إقليم درزي مستقل، وطالبوا الحكومة بفرض الأمن والنظام في جميع أنحاء البلد.
وقد صدر هذا البيان بعد اتفاق منفصل تم التوصل إليه بين قيادة مدينة جرمانا الواقعة في ضواحي دمشق والسلطات، وأنهى أسبوعاً من المواجهات العنيفة التي اندلعت بين القوات الدرزية وما تسميه الحكومة "قوات خارجة على القانون"، والتي قُتل فيها ما لا يقل عن 102 شخص، وجُرح العشرات. وعلى ما يبدو، فإن هذه التفاهمات، التي أعقبها انتشار للجيش والشرطة في محافظة السويداء وفي مدينتَي جرمانا وصحنايا قرب دمشق، نجحت مؤقتاً في تهدئة التوترات وتشكيل قاعدة هشة للتعاون بين الدروز والنظام، لكن بعكس المواجهات السابقة بين الدروز ونظام الأسد، وبعدها في بداية ولاية أحمد الشرع، بعد الإطاحة ببشار الأسد في كانون الأول، فإن هذه المواجهات تمثل اختباراً حاسماً لشرعية نظام الشرع ومكانته في الساحتين الإقليمية والعربية.
وبدأ هذا الاختبار للسلطة منذ آذار، عندما اندلع صراع دموي آخر بين ميليشيات وقوات تابعة للنظام وبين أبناء الطائفة العلوية في محافظة اللاذقية، أسفر عن مقتل نحو 1700 شخص. وعلى الرغم من الإدانات الدولية لـ"المجزرة" ضد العلويين، فإن أحداً لم يتخذ أي إجراءات حقيقية لمنعها. أمّا الصراع مع الدروز، فقد تحوّل قضية دولية ساخنة، وخصوصاً بسبب التدخل العسكري المباشر من طرف إسرائيل، التي لم تكتفِ بمهاجمة الميليشيات التي قاتلت الدروز، بل أيضاً قصفت أهدافاً بالقرب من القصر الرئاسي في دمشق، وقد استند هذا التهديد الموجه جيداً إلى الرئيس الشرع إلى تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، الذي قال: "واجبنا حماية الدروز في سورية من أجل إخواننا الدروز في إسرائيل، ووفائهم للدولة ومساهمتهم الكبيرة في أمنها". ومع ذلك، فمن غير المؤكد أن هذا النوع من "الحماية" هو ما تريده الطائفة الدرزية، سواء في سورية أو في إسرائيل.
ودعا الشيخ حكمت الهجري، أحد أبرز الزعماء الروحيين للدروز في سورية، المجتمع الدولي إلى التدخل، وأوضح أنه "لا يثق في السلطة التي تدّعي أنها حكومة، لأنها تقتل مواطنيها عن طريق ميليشيات متطرفة، ثم تزعم أن هؤلاء خارجون عن السيطرة". ومع ذلك، فقد شارك الهجري في لقاء عُقد في آذار مع الرئيس الشرع، وصرّح بأنه لا يدعم إقامة كيان درزي مستقل، وأن الدروز جزء لا يتجزأ من الدولة السورية.
وكان الهدف من هذا اللقاء دعم خطة الشرع لتأسيس جيش وطني سوري تندمج فيه كل الميليشيات المسلحة، بما فيها الميليشيات الكردية والدرزية. وعلى الرغم من أن الأكراد أعربوا عن موافقتهم المبدئية على تسليم أسلحتهم في مقابل الحصول على وضع خاص داخل الجيش، فإن الهجري أوضح أن الدروز لن يوافقوا على نزع سلاحهم إلاّ بعد تأسيس جيش وطني سوري فعلي وسن قانون يضمن حقوق الدروز.
ويستند هذا المبدأ إلى التفاهمات التي أعقبت المواجهات الأخيرة، والتي تنص على أن النظام سيكون المسؤول الأعلى عن الأمن في المحافظة، لكن عبر قوات أمنية وشرطية درزية فقط. وقد شدد على هذا قائد ميليشيا "رجال الكرامة"، ليث البلعوس، الذي صرح، يوم الجمعة الماضي، بأن هناك تنسيقاً بين الدولة وسكان السويداء لإنهاء محاولات زعزعة الأمن التي تقوم بها العصابات. ويبدو أن البلعوس لا يشارك، على الأقل ظاهرياً، شكوك الهجري في أن هذه العصابات تابعة للنظام، وفي جميع الأحوال فهو لا يزال مستعداً لإعطاء النظام فرصة لإيجاد حل متفق عليه بشأن حماية الطائفة.
والواقع العملي هو أن الدروز يسعون للتوصل إلى اتفاق يشبه ما كان قائماً في عهد الأسد، يُكرّس دورهم كجهة مسؤولة عن أمن المحافظات والمدن ذات الأغلبية الدرزية. وفي هذا السياق، فإن التدخل الإسرائيلي، الذي تشير تقارير سورية إلى أنه يشمل أيضاً تزويد الميليشيات الدرزية بالسلاح، وليس فقط تقديم مساعدات إنسانية أو إجلاء الجرحى، يمثل من جهة أداة تفاوض قوية في يد الدروز، لكنه من جهة أُخرى يُظهرهم كذراع إسرائيلية في سورية، وهو أمر له عواقب سياسية واجتماعية خطِرة، ويمكن أن يشكل ذريعة لصراعات مستقبلية.
وفي هذا السياق، من المهم الإشارة إلى موقف البلعوس، الذي صرّح في آذار، بعد المواجهات السابقة في جرمانا، والتي أمر كاتس ونتنياهو في إثرها الجيش الإسرائيلي بالاستعداد للدفاع عن المدينة، قائلاً: "نرفض أي محاولة من القوى الخارجية لفرض أجنداتها علينا. نحن، أبناء الجنوب السوري، كنا وسنبقى جزءاً من النسيج الوطني السوري، والدفاع عن مجتمعنا وأرضنا هو مسؤوليتنا الوطنية. لن نقبل بأي تهديد خارجي مهما يكن مبرره".
التدخل الإسرائيلي يهدد موقع الدروز داخل سورية
يقول ناشط درزي من الجولان لـ"هآرتس": "هذه هي المعضلة الدائمة للطائفة التي ينتشر أبناؤها في عدة دول"، ويضيف: "نحن قلقون جداً على مصير إخواننا في سورية، وهناك بيننا مَن يريد حمل السلاح للدفاع عنهم. لكن في الوقت عينه، نحرص على مبدأ أساسي، وهو أنه على كل جماعة درزية أن تُدير علاقتها بالحكومة في الدولة التي تعيش فيها، من دون تدخُّل خارجي. وعلى إسرائيل أن تحترم هذا المبدأ، وتفهم الفارق بين رغبتنا في حماية أبناء طائفتنا في سورية، وبين استخدام هذه الرغبة كذريعة لتغيير الخريطة السياسية لسورية".
كذلك يجد الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي للطائفة في إسرائيل، نفسه أيضاً أمام مأزق؛ ففي مقابلة مع قناة "العربية"، قال: "من حقنا طلب الحماية من أي جهة، بما في ذلك من دولة إسرائيل". لكن عندما سُئل إذا ما كان هذا يشكل مساساً بسيادة سورية، أجاب: "أنا واثق بأن القيادة السورية ستمنح أبناء الطائفة الدرزية كامل حقوقهم". بمعنى أن الحماية الجسدية شيء، والوضع السياسي للدروز في سورية شيء آخر، فهو شأن داخلي سيُحسم عبر المفاوضات مع النظام.
إسرائيل تحاول فرض وقائع
تتجاهل الحكومة الإسرائيلية هذا التمييز، وتسعى لاستغلال الدفاع عن الدروز السوريين "من أجل إخواننا الدروز في إسرائيل" لتبرير استمرار وجود الجيش الإسرائيلي في أراضٍ سورية ذات سيادة، وربما لإحياء حلم يغآل ألون بإقامة دولة عازلة درزية في جنوب سورية. وفي الوقت نفسه تخوض إسرائيل عبر الدروز في سورية صراع نفوذ مع التدخل التركي، وتحاول إحباط جهود الشرع، الذي تعتبره نظاماً جهادياً خطِراً، من أجل توحيد البلد تحت حكم مركزي، على الرغم من أن الشرع نال اعترافاً عربياً واسعاً، ويحظى بتعاون من دول أوروبية والولايات المتحدة.
يُشبه هذا النهج إلى حد بعيد تبنّي إسرائيل الطائفة المسيحية في لبنان كأداة لها خلال الحرب اللبنانية الأولى (الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982)، أو دعمها الأقلية الكردية في العراق كقاعدة عمليات ضد نظام صدام حسين وإيران. وهذه النية الإسرائيلية ليست خفيّة عن الدروز، الذين بدؤوا للتو في نسج علاقتهم الجديدة بالنظام السوري. وبينما هم لا يخفون مخاوفهم من أن النظام ربما لا يفي بوعوده في حمايتهم، فإنهم قلقون بالقدر عينه من أن يتحولوا إلى أدوات في الاستراتيجية الإسرائيلية.
عن "هآرتس"