لم يكن متوقعاً أن تسمح إسرائيل للسفينة العالمية مادلين بالوصول إلى شواطئها، إلا أن المتوقع والذي حدث فعلاً هو اعتقال السفينة من قبل تشكيلات "جيش الدفاع" البحرية والجوية والكوماندوز، لإعادة المتضامنين كلٌ إلى بلاده، ليكون كل واحد منهم سفيراً للعدالة الفلسطينية ومندوباً مهماً يُظهر مدى الوحشية الإسرائيلية وعدائها الممنهج للحضارة الإنسانية، إذ تخشى "واحة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" وصاحبة أكبر جيش تقني حديث في المنطقة أن تدان أخلاقياً أمام سفينة صغيرة عليها بعض مؤنٍ لا تكفي حياً متواضعاً من أحياء غزة، وعلى متنها كذلك متضامنون شجعان، قرروا تجاوز عجز الدول بتظاهرةٍ شغلت بال العالم منذ أن انطلقت السفينة من إيطاليا نحو غزة.
لن تكون هذه هي السفينة الأخيرة ولن تكون الصوت الأخير الذي فضح أرباب المجاعة والتدمير وقتل الأطفال، وعندما قلنا إنها اعتقلت بعد أن حققت أهدافها، فهدفها الأساس هو لفت نظر العالم إلى مدى الوحشية التي يمارسها الإسرائيليون وهي وحشية ثبت للعالم كله أنها خارجةٌ عن تقاليد وأدبيات وحضارة القرن الواحد والعشرين.
مادلين سفينة صغيرة حملت رسالةً كبيرة، وأفضل ما في رسالتها أنها وصلت إلى العالم كله، فالمتعاطفون معها يعدّون بالمليارات، والذين يدينون ما فعلته إسرائيل بالسفينة وبغزة، ازداد عديدهم وزادت فاعليتهم على مستوى العالم كله.
إن نشطاء العالم الذين يتمردون على عجز الدول والحكومات عن تقديم الحد الأدنى مما تحتاجه غزة، لن يتوقفوا عن انتاج مبادرات فعّالة تعرّي "واحة الديموقراطية" في العالم، فهي لم تكن أول سفينة ولا آخر سفينة.
نعم لقد اعتقلت السفينة بعد أن نجحت في إيصال رسالتها وهذا ما لا تدركه إسرائيل التي لم يبقى لديها في مواجهة المبادرات الإنسانية والحضارية ذات الطابع العالمي، إلا المواجهة العسكرية معها، نعم لقد نجحت سفينة مادلين الصغيرة في إحراج العالم الكبير الذي لم يفلح في معالجة أشرس حرب ضد الإنسانية والمدنيين والأطفال، فجاءت مادلين لتكون بداية مسيرةٍ تضامنية لن تتوقف مع غزة وأهلها.