الشعوب العربية منحازة لفلسطين.. ماذا عن النظم العربية؟

 

 

 

مرّ على العدوان الإسرائيلي والإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين أكثر من ثمانية عشر شهراً سقط خلالها عشرات الآلاف بين شهيد وجريح وأسير ومغيب؛ جلهم من الأطفال والنساء والشيوخ؛ وثمة شواهد وتحركات شعبية خجولة عربية لنصرة فلسطين وأهلها ومن الشباب العربي من اقتحم الحدود واستشهد؛ لكن النظم العربية تمنع أي تحرك شعبي عربي عارم.  

تعتبر النظم والطغم العربية المستبدة الحاكمة أن الشعوب هي مجرد أرقام ولخدمتها، ويتم تخديرها بشعارات رنانة في مقدمتها شماعة تحرير فلسطين، لتقع الشعوب التواقة للحرية تحت سيف الجوع والفقر والحرمان والتضخم النقدي المعبر عنها بارتفاع الأسعار الذي بات سيد المشهد الحالي في غالبية الدول العربية، لتتفاقم ظاهرة الفقر المدقع والجوع والتهجير فضلاً عن ارتفاع معدلات الأمية وتراكم قيمة الديون.

قبضة الاستبداد

يلحظ المتابع اشتداد وطأة القبضة الفولاذية للنظم العربية الحاكمة في غالبية الدول العربية منذ ستة عقود خلت، لكن الاخطر أن تلك الدول باتت خلال العقد الأخير تعتمد إلى حد كبير على ميليشيات وعصابات طائفية داخلية أو عابرة للحدود بشكل لافت على حساب مؤسسات الدول، ليصبح المواطن العربي أسيراً لمصطلحات عديدة فرضتها تلك النظم، وباتت هي الناظم الوحيد لحركة المجتمعات العربية ونشاطاتها المختلفة، في الوقت التي تتطلع فيه تلك المجتمعات إلى بناء المؤسسات التي تعبّر عن ديناميكية المجتمع وقدراته وقواه الحقيقية وكفاءاته الكامنة. وانتشرت ظاهرة الفساد والإفساد لتصل إلى أهم سلطة في الدولة، ألا وهي سلطة القضاء، ولتصبح الرشوة سيدة الموقف والموقف الفصل، وليصبح الحق باطلاً والباطل حق في غالب الأحيان، لكن الحكم والجلاد يبقى في نهاية المطاف سلطة العسكر، والعسكر وحدهم، ولتنتشر بعد ذلك ظاهرة الفساد والإفساد والتسلّط في مناحي الحياة كافة في غالبية الدول العربية مع استمرار تبوأ تلك النظم ريادة الحياة السياسية والاقتصادية، وقد أدى ذلك إلى تحكم أقلية من السكان التي تعيش على فتات النظام السياسي القائم بالنسبة الكبرى من الناتج المحلي  لهذه الدولة أو تلك وكان ذلك مقدمات لتهجير الملايين من الدول العربية باتجاه الغرب وبينهم طاقات علمية وأكاديمية عالية، وبقيت أكثرية المجتمعات العربية عرضة لتفاقم ظاهرة الفقر المدقع والبطالة والجوع والحرمان، في مقابل ذلك يتوزع الناتج المحلي بشكل أكثر عدالة نسبياً في الدول المتطورة، وبالأرقام ثمة عشرة في المائة من سكان الوطن العربي يستحوذون على تسعين في المائة من الناتج المحلي الاجمالي، الأمر الذي يجعل تسعين في المائة من السكان تحت خط الفقر، ويضعف خياراتها الصحية والتعليمية والترفيهية.

حكم العسكر

تبوأ العسكر السلطة في غالبية الدول العربي إثر استقلال وهمي  قبل أكثر من ستة عقود خلت، وتبعاً لذلك تمت سطوة العسكر على كافة مقاليد الحياة في غالبية الدول العربية، وتمّ إخضاع المؤسسة العسكرية لتوجهات النظم المستبدة، حيث لم يتم  تشكيل الجيوش وصياغة المؤسسة العسكرية بشكل يلبي تطلعات الشعوب العربية وتطورها، ناهيك عن حفظ الأمن والسلم الأهلي، وحماية الأوطان من أي عدو خارجي يتربص بالدول العربية ومقدراتها الوفيرة، وكانت موازنات الجيوش العربية ومازالت عبئاً إضافيا على الشعوب العربية والتنمية المستدامة والتعليم والصحة والرفاه الاقتصادي والاجتماعي. وتشير دراسات  إلى أن إجمالي الإنفاق العسكري والأمني التراكمي للبلدان العربية قدِّر بنحو تريليون و(513) مليار دولار خلال فترة ما بين 2002 و2022، ومرد ارتفاع الإنفاق العسكري والأمني للبلدان العربية توسع غالبية حكومات البلدان العربية في زيادة عدد أفراد الجيوش والأجهزة الأمنية، وشراء أسلحة ومعدات عسكرية وأمنية، ورفع رواتب العسكريين وأفراد قوات الأمن بمختلف مسمياتها، وتبعاً لذلك يفوق حجم  ما تنفقه الدول العربية وبلدان أخرى في العالم الثالث على المجال العسكري، ما يتم إنفاقه على التنمية الاقتصادية والمجتمعية والبنية التحتية وخلق فرص عمل والتعليم والصحة والبحث العلمي وغيرها، ويترجم ذلك بعدم إخضاع الإنفاق على التسلح والأمن لمعايير تراعي ضرورات أن لا يؤثر على متطلبات تنمية مستدامة ومتوازنة، ومعالجة المعضلات الاقتصادية والفقر والعوز والحرمان في الخدمات العامة والرعاية الاجتماعية. كل ذلك جعل غالبية الشعوب في الدول العربية ترزح تحت سيف التهجير والفقر والحرمان، فضلاً عن اتساع معدلات الامية وهجرة مزيد من رأس المال البشري العربي ورؤوس الاموال العربية المالية إلى الدول الغربية كأمريكا والدول الأوروبية التي تتمتع باقتصاديات قوية ومتطورة، في وقت وصلت فيه قيمة الديون الخارجية على الدول العربية خلال العام الحالي 2025 أكثر من ترليون ونصف ترليون دولار أمريكي.

 

 

 

كلمات مفتاحية::
Loading...