حرب الكبرياء ستغلب على الحكمة

إيران - إسرائيل

 

 

 

اعلان الحرب على إيران هو جزء لا يتجزأ من الرؤية الإسرائيلية بإعادة تشكيل الشرق الأوسط، المفكر الروسي الكسندر دوغين يرى أن "الرهان على تغيير الشرق الأوسط أقرب ما يكون إلى الرهان على تغيير الهواء"، ومن الغباء الاستراتيجي الرهان على ذلك، فأمريكا فشلت في تشكيله خلال حربها على الارهاب، ولكننا الآن في البدايات اعلان حرب شاملة والتحضيرات الإسرائيلية الأمريكية لضرب إيران كانت منذ وقت طويل "خطط استراتيجية منذ 2010"، فجاءت نقطة الصفر مع التنسيق الكامل بين الطرفين، تضليل وتواطئ أمريكي فاضح مع الضربات الإسرائيلية الأولى ضد إيران، عدم التسرع وطبيعة الحرب وموجات الاعتداءات الاسرائيلية سوف تستمر لمدة أسبوعين على الأقل، فهل يعقل أن تفعل إسرائيل ذلك بمفردها، ربما فهي حرب وجودية!! حرب إسرائيل هي حرب أمريكا، وإسرائيل لا تقدم على أي عمل عسكري دون علم الادارة الأمريكية، فالأمور لا تستقيم هنا، إذا كانت أمريكا لا تعلم بالضربة فهذا مساس لهيبة ترمب الذي يعلم ويفعل ما يشاء.

قواعد الحرب تفترض أنه يجب أن يكون هناك مفاجئة وغموض لمباغتة الطرف الأخر، إسرائيل ضربت منشآت نووية إيرانية منذ اليوم الأول للحرب، وهي ليست قادرة عسكرياً تحقق الهدف المعلن بالقضاء على الملف النووي بمفردها وبحاجة لأمريكا لتكون طرفاً مباشراً، والقرار الأمريكي المبدئي قد اتخذ بعد انقسام لدخول هذه الحرب، علماً أن أمريكا تدعم إسرائيل منذ بداية الحرب فحجم الضربات الأولى وتصريحات ترمب "نحن أرسلنا القنابل التي تستطيع اختراق الجبال الإيرانية وأنظمة دفاع جوي مع دعم لوجستي وتكنولوجي، تؤكد أن أمريكا شريك أساسي في هذه الحرب، لا بل تم توكيل هذه المهمة لها منذ ولاية بايدن، وهذه استراتيجية أمريكا كيلا لا تكون في مواجهة مباشرة لأن التدخلات العسكرية المباشرة تدوم طويلاً وتكلف كثيراً، فبعد التدخل في العراق وأفغانستان حيث تكبدت أمريكا خسائر بمليارات الدولارات ومئات الضحايا من الجنود الأمريكيين دون أن تحقق أهدافها، وكذلك الحروب في فيتنام وكوريا ألحقت بها أمريكا وحلفائها هزائم وانكسارات ولم تحقق النصر العسكري المخطط له فسعى صناع القرار إلى شن حروب بالوكالة فتم تكليف إسرائيل بهذه المهمة، وتغيير الشرق الأوسط سيكون جائزته الكبرى لنتنياهو هو إيران، إسرائيل قامت بجزء كبير من هذه المهمة والآن بدأ الصراخ الإسرائيلي وبدت إسرائيل عاجزة أوهي تتعمد العجز؟! يجب أن تستكملوا الحرب معي، هذا دفع ترمب إلى التفكير من السهل خوض حروب بالوكالة ولكنها تصبح مستنقع يصعب التحكم بها قد تتحول الى حروب اقليمية تمتد عبر الحدود مزعزعة للأمن الدولي، إيران قالتها اليوم أن إسرائيل بدأت الحرب على إيران ولكنها لن تستطيع انهاءها على شروطها الخاصة.

حدث تحول مهم في موقف ترمب عندما أقر التدخل المباشر وأقر التخلص من النظام الإيراني اذا لم تتنازل إيران وتستسلم بمهلة زمنية أقصاها أسبوعين لتوقع على وثيقة الاستسلام بالتخلص من العقيدة النووية والصاروخية، المطاطية زالت والعودة للمفاوضات فات الأوان عليها، احتمال دخول أمريكا هذه الحرب مباشرة قائم ونحن في مرحلة حرجة جداً وتستوجب الكثير من الترقب والخوف مما هو اسوأ ولكن بعد الانذار الأخير لإيران، فهل الاستسلام وارد؟، لا يمكن فصل ما يجري عن المراحل السابقة، إسرائيل تضرب وتستمر بالضرب وأمريكا تمول وتسلح وتؤمن الغطاء وتكفل الحماية لإسرائيل، ثم تطالب بالحل الدبلوماسي كما تفعل الآن، وقد شهدنا هذا الأداء في غزة ولبنان هو تكرار للمعادلة نفسها، هذا نهج ترمب ومن سبقوه، إسرائيل تضرب وكأن شيء لم يحصل، واذا جاء رد على إسرائيل تهب للدفاع عنها، إيران لن تفعل ذلك، وأية الله خامنئي قال لن يكون هناك أي تفاوض بمنطق القوة، الاستراتيجية الإيرانية تترسخ بتمسكها ببرنامجها النووي والدفاعي وأنه ليس للمساومة أبداً، واعلانها رفض الاستسلام عن برنامجها النووي كخيار لا رجوع فيه، ولا جدوى من المفاوضات بشأن التخلي عنه أكده وزير خارجيتها عراقجي "صفر تخصيب أمراً مستحيلاً".

هناك عدة حروب في المنطقة وإيران تواجهه لحظة مصيرية اعلان حرب على الدولة والمجتمع والقيادة وهذه حرب مستمرة مفتوحة قد تطول سنين، إيران دولة تاريخية لم يصنعها الانتداب أو الاستعمار، إيران أضعفت لدرجة كبيرة ولكنها ليست دولة ضعيفة ومن هنا كلنا ننتظر على صفيح ساخن، مرحلة فاصلة وانتقالية مختلفة تماماً على المستوى التاريخي، إيران على مفترق طرق تعاني بها على كافة الجبهات إما أن ترسم لنفسها مسار للرد والردع بشكل حاسم ويكون لردها الاستراتيجي تبعات واذا تمكن الايرانيون من الصمود لابد أن تكون نهاية إسرائيل الكيان المصطنع، وإن لم ترد ستكون تبعات أقسى وأقوى تؤدي إلى إنهاء النظام من الداخل وليس من الخارج وهذا سيؤدي لدولة بحجم إيران سكانياً وثقافياً وحضارياً إلى السقوط والانهيار، والسؤال هل تملك إيران القدرة على الرد بطريقة تظهر للعالم أن إيران دولة اقليمية يعتد بها، وهل يمكن لإسرائيل وأمريكا أن تنتصر؟؟

النظام الإيراني له بنية ثورية مهمة للغاية لديه القدرة على الصمود والاستمرار والدفاع عن نفسه، والإيرانيون لديهم القدرة على العودة والنجاة من مواقف كثيرة، رغم أن النظام الإيراني استنفذ أغراضه وما حدث خلال الأشهر الماضية من قصقصه لأطرافه من حزب الله والنظام السوري وحتى الفصائل العراقية كان مقدمة واضحة لحالة الانكشاف التي يعيشها النظام اليوم بحيث تم اغتيالات قادة من الصف الأول والثقل العسكري وعلماء نوويين بهذا الشكل في الضربات الأولى في ظل وضع اقليمي كان يستدعي مزيد من الحيطة والحذر، بداية اضعاف إيران بدأ عند اغتيال قاسم سليماني نفذته أمريكا في العراق والرد الإيراني كان ضعيفاً لم يرتقي لحجم هذا الحدث، وحتى على مستوى الحلفاء دمرت إسرائيل كل حلفاء إيران في المنطقة، اغتيال حسن نصر الله وتدمير البنية القيادية لحزب الله الذي كان الخيار الاستراتيجي الاقليمي لإيران، لا الصين ولا روسيا حلفاء لإيران هم شركاء، إيران لوحدها في الساحة، لا تملك الخيار فكان الرد موجع لإسرائيل.

حرب ربما تكون طويلة هذا ما يخطط له الإيرانيون بعدما تمكنوا من استيعاب الضربات الأولى رغم قسوتها، ضربات صاروخية إيرانية بطيئة ونوعية على إسرائيل أذهلتهم وأذهلتنا جميعاً، أظهرت مقاربة في موازين القوة بين إيران وإسرائيل، رغم وجود اختلال هائل بينهما على الصعيد العسكري والاستخباراتي، إيران لا تملك القدرات التكنولوجية التي تملكها إسرائيل لديها مخزون كبير من الأسلحة مع دعم أمريكي غربي، ومن الخطأ بمكان مقارنة القدرات الدفاعية وإيران تحت عقوبات اقتصادية وسياسة الضغط الأقصى بتشديد العقوبات والحصار الخانق منذ أكثر من أربعة عقود وحرب اقتصادية وتكنولوجية من أمريكا وحلفائها، ولكن إيران تمتلك قدرات باليستية لا يستهان بها.

لحظة تاريخية ينظر لها على أنها بداية تسليح البرنامج النووي الإيراني اذا استطاعت إيران الصمود والرد، ونقطة تحول البرنامج النووي السلمي إلى برنامج نووي عسكري هو خسارة استراتيجية مدوية لكل من إسرائيل وأمريكا، إيران مستعدة لفتح المعركة على مختلف الأصعدة من مضيق هرمز إلى استهداف القواعد الأمريكية والاستعانة بحلفائها في المنطقة كما يسرب باستخدام انتحاريين بعمليات موجهه ضد أمريكا وحلفائها لذلك هناك حالة تأهب لحرب واسعة جداً.

ما يقوم فيه ترمب ونتنياهو الآن قد يؤدي إلى التوتر والتصعيد بالمنطقة والتي هي متوترة أصلاً، وبالتالي سيشهد النظام العالمي في ظل وجود حالة من السيولة محطة جديدة للصراع واندلاع مواجهة عالمية قد يؤدي إلى صراع مفتوح وحرب نووية، بن غفير يقول تذكروا هيروشيما وناغازاكي في اشارة لاستخدام أمريكا للقنبلة النووية لإنهاء الحرب العالمية وقتها، فهل يمكن استخدام هذا السلاح لإنهاء هذه الحرب والزر النووي بيد مَن؟، مصير النظام الإيراني على المحك والقيادة مستهدفة وعلمائها، إذا استسلمت للمطالب الاسرائيلية والأمريكية سيضعف إيران لدرجة كبيرة، لكنها حرب الكبرياء بمعنى أن إيران بكامل جهوزيتها لمواجهة أمريكا وإسرائيل مما يضع ادارة ترمب أمام تحدي خطير في مواجهة الطموح النووي الإيراني، فهناك تخبط للسياسة الأمريكية وانقسام اتجاه هذه الحرب، تجميد الاختبارات النووية والتخلي عنها بدون شروط مسبقة ومناقشة نزع برنامجها النووي والباليستي والتخلي عن دورها الاقليمي وهو الأهم، طبعاً مستثنى، إيران لن تستجيب لهذا العرض ولكنه لا يزال مطروحاً، هو عرض غير جاد ومجرد خطاب أمريكي لن ينجم عنه شيء اطلاقاً، مازال الرهان على الحكمة لوكان هناك حكمة!.

 

 

 

Loading...