النّظام الإيرانيّ… أو الحياة من دون مشروع توسّعيّ

 

 

 

كلّ ما حصل أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب استطاع الخروج منتصراً، أقلّه ظاهراً، من المواجهة الإيرانيّة – الإسرائيلية. استفاد إلى حدّ كبير من حاجة إيران إلى وقف النار في ظلّ حرب طرح فيها الرئيس الأميركي موضوع تغيير النظام، قبل العدول عن ذلك.

هل تكتفي إيران بكلام ترامب عن عدم الرغبة في تغيير النظام وبمسرحيّة إطلاق صواريخ على قاعدة العديد في قطر، كي تعتبر أنّها تجاوزت تجربة الحرب مع إسرائيل وأنّ في استطاعتها إعلان أنّها خرجت منتصرة من تلك الحرب؟ ستعتبر نفسها منتصرة على الرغم من كلّ ما تكبّدته من خسائر واضطرارها إلى التخلّي عن مشروعها النووي وصواريخها البالستية وأدواتها في المنطقة من نوع “الحزب” وما شابه.

بات موضوع بقاء النظام أولويّة إيرانيّة بعدما استطاعت إسرائيل نقل الحرب إلى داخل إيران واغتيال عدد لا بأس به من القادة العسكريين الإيرانيين والعلماء النوويين من جهة، وبعدما ظهر بوضوح ضعف “المرشد الأعلى” علي خامنئي على كلّ صعيد من جهة أخرى. من بين ما كشف ضعف “الجمهوريّة الإسلاميّة” أيضاً، كلام المسؤولين الإيرانيين طوال الحرب المباشرة بين الدولة العبريّة و”الجمهوريّة الإسلاميّة” عن القانون الدولي ومدى تمسّك “الجمهورية الإسلامية” بهذا القانون ومبادئه.

فجأة، تذكّرت “الجمهوريّة الإسلاميّة” القانون الدولي. نسيت الجهود، المستندة إلى الاغتيالات والعنف والإكراه وإثارة الغرائز المذهبيّة، التي بذلتها من أجل ضمان نجاح مشروعها الإقليمي. شمل ذلك وضع اليد على لبنان، حيث كانت جهود إيرانيّة بدأت عمليّاً منذ ما يزيد على 43 عاماً، أي منذ دخول طلائع “الحرس الثوري” الأراضي اللبنانية وتمركزها في ثكنة للجيش اللبناني (ثكنة الشيخ عبدالله) في بعلبك.

تعطي مغامرة لبنان فكرة عن سقوط المشروع التوسّعي الإيراني الذي سقط عمليّاً مع فرار بشّار الأسد من دمشق في الثامن من كانون الأوّل 2024.

تابعت “الجمهوريّة الإسلاميّة” تنفيذ أهدافها في لبنان، بغطاء سوريّ، في معظم الأحيان، من دون كلل أو ملل. فعلت ذلك طوال سنوات بتفاهم ضمنيّ مع إسرائيل المعروفة بدورها وبعدائها للقانون الدولي. تُوّجت الجهود الإيرانية في لبنان بحرب “إسناد غزّة” في 2023. أثبتت “الجمهوريّة الإسلاميّة” من خلال تلك الحرب أنّها تمتلك قرار الحرب والسلم في لبنان وأنّها تسيطر بالكامل عبر “الحزب” على قرار الدولة اللبنانية.

يأتي الكلام الإيراني عن التمسّك بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتّحدة في وقت تؤكّد الأحداث التاريخية، منذ إعلان قيام “الجمهوريّة الإسلاميّة”، أنّ هذه الجمهورية لم تُعِر يوماً أيّ اهتمام بالقانون الدولي. لم يكن لدى إيران، منذ عام 1979 وسقوط نظام الشاه، أيّ علاقة بالقانون الدولي. يمكن العودة في هذا المجال إلى احتجاز دبلوماسيّي السفارة الأميركية في طهران طوال 444 يوماً وتعريضهم للإذلال ابتداء من تشرين الثاني 1979.

لا حاجة إلى الذهاب بعيداً لتأكيد أنّ إيران، منذ سقوط الشاه، لم تحترم يوماً القانون الدولي بمقدار ما أنّه كان هناك قانون خاصّ بها جعلها تستفيد إلى أبعد حدود من حاجة الولايات المتّحدة إليها، في سياق سياسة أميركيّة مدروسة تستهدف ابتزاز دول المنطقة. كان ذلك عبر تصوير الولايات المتّحدة لنفسها بالملجأ الوحيد الذي يحمي دول الخليج من البعبع الإيراني الذي رفع شعار “تصدير الثورة”.

يبدو مفيداً، في كلّ وقت، التذكير بما فعلته إيران في لبنان، وذلك منذ اليوم الأوّل لمباشرة نشاطها في البلد. كان ذلك بخطف رئيس الجامعة الأميركية في بيروت ديفيد دودج الذي أُطلق لاحقاً من طهران بعد نقله إليها عن طريق الأراضي السوريّة.

في الواقع، سكتت الإدارات الأميركية المتلاحقة طويلاً عن تصرّفات إيران. سكتت في ثمانينيّات القرن الماضي عن خطف أميركيّين، بمن في ذلك مدير محطّة “سي. آي. إي” في بيروت وليم باكلي وآخرون مثل الكولونيل وليم هيغينز الذي كان يعمل في جنوب لبنان مع المراقبين الدوليّين التابعين للأمم المتّحدة (هيئة مستقلّة عن القوّات الدولية). تعرّض الكولونيل هيغنز لتعذيب شديد، شمل سلخ جلد جسده، قبل وفاته.

سكتت الإدارات الأميركيّة أيضاً عن كلّ ما فعله “الحزب”، وهو لواء في “الحرس الثوري” الإيراني. استطاع “الحزب”، عبر الإرهاب الذي مارسه، جعل الولايات المتّحدة تغادر عسكريّاً الأراضي اللبنانية. كان ذلك بعد تفجير سفارة أميركا في العاصمة اللبنانية وبعد عملية انتحاريّة استهدفت مقرّ المارينز قرب مطار بيروت يوم 23 تشرين الأوّل 1983.

في كلّ ما فعلته إيران في لبنان، وغير لبنان، لم تحترم يوماً القانون الدولي، اللهمّ إلّا إذا كانت عمليّة تفجير موكب رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط 2005 جاءت في سياق التزام شرعة حقوق الإنسان المعتمَدة لدى الأمم المتّحدة. كان الهدف من اغتيال رفيق الحريري القضاء على المحاولة الوحيدة لإعادة الحياة إلى بيروت وإلى لبنان منذ اندلاع الحرب الأهليّة وحروب الآخرين على أرض لبنان، في 13 نيسان 1975. هذا ما كان مفترضاً برئيس الجمهورية جوزف عون الإشارة إليه، بدل تجاهله كلّيّاً، أثناء الاحتفال بإنارة ساحة الشهداء وساحة النجمة.

نظريّاً، توقّفت الحرب الإسرائيلية – الإيرانية. يظلّ الدخول الأميركي المباشر إلى جانب إسرائيل في هذه الحرب بين أبرز المحطّات التي تخلّلتها منذ اندلاعها في 13 حزيران 2025. لكنّ توقّف الحرب لا يعني أنّ التحدّيات التي تواجه النظام الإيراني زالت. لا تزال هذه التحدّيات قائمة على الرغم من انتهاء المشروع التوسّعي الإيراني والغموض الذي يحيط بوضع “المرشد الأعلى” وثبوت مدى قدرة إسرائيل على اختراق المؤسّسة الأمنيّة الإيرانية والمجتمع الإيراني بشكل عامّ.

في النهاية، هل النظام الإيراني بشكله الحالي قابل للحياة من دون المشروع التوسّعي، وذلك على الرغم من احتفالات بالانتصار شهدتها بغداد كي تُظهر أنّ هذا المشروع لم يمُت نهائيّاً بعد؟

 

 

 

كلمات مفتاحية::
Loading...