أعتقد أن اللحظة التي شاهد فيها نتنياهو الطائرة الأمريكية "بي 2" تقصف مفاعل فوردو في مدينة قم الإيرانية، وقيل له من البيت الابيض والاستخبارات الأمريكية أن المفاعل تم تدميره تدميراً شاملاً، احتسى كأسا من "الخمر" الفاخر الذي اعتاد أن يُقدم له كهدايا من داخل "إسرائيل" أو من خارجها، وحبس أنفاسه ليقوم بالاتصال بالرئيس ترامب وليقول له شكراً فخامة الرئيس لقد انتصرنا.
"الزهو" الذي عاشه نتنياهو كان أقرب لخداع الذات، بعد أن أخذت الحقائق المتعلقة بالضربة تخرج للعلن وأولها أن "فوردو" لم يتم تدميره كما أشيع، وأن اليورانيوم المخصب والبالغ وزنه 420 كيلو الذي كان فيه، لم يصب بأذى وتم نقله إلى مكان آمن، وذلك وفقاً لتقرير شبكة (سي ان ان ) الأمريكية المستند لتقرير استخباراتي وصف بالدقيق والذي أشار إلى أن يورانيوم "فوردو" لم يصب بأذى ونقل لمكان آخر، لقد نزل الخبر على مسامع الرئيس ترمب تماماً كالقنبلة (تقرير الصحافية ناتاشا برتراند) وكان رد فعل ترمب قد ظهر بوضوح خلال إجابته على سؤال وجه له حول مصداقية هذا التقرير فكان جوابه (مثل هذه المراسلة تستحق أن تطرد مثل الكلبة)، وعلاوة عن أن مثل هذه العبارة لا تليق برئيس للولايات المتحدة من حيث المبدأ، ولم يسبق لرئيس أمريكي أن تفوه بها أو أقل منها حيال صحافي أو مراسل كان في موقع تضاد مهني مع الإدارة، إلا أن عبارة الرئيس ترمب افقدته مصداقية ما يردده من احترام حرية التعبير وحرية الصحافة والرأي والرأي الآخر، ولم يكتف الرئيس ترمب بهذا الوصف للمراسلة (ناتاشا برتراند) فقد بذل كل ما يستطيع لدفع الشبكة إلى بث تقرير يناقض التقرير الذي تحدث عن عدم حدوث ضرر "كبير في فوردو" و"فشل عملية نقل اليورانيوم المخصب" وذلك للطعن بها ومصداقيتها ويريد بكل الطرق أن يقول إنه رجل "المعجزات" ولا يخطئ بأي قرار يتخذه، ولربما بات يفكر الآن بمقاضاة الصحافية قانونياً لكونه يتمتع بروح عالية من الانتقام الناتجة عن النرجسية والغرور و"السلطة السياسية " وسلطة المال ".
سلوك لم يسبق لرئيس قبله أنه مارسه، كما لم يسبق لرئيس مثل ترمب أن تبادل المنافع مع رئيس لوزراء إسرائيل وأقصد علاقته بنتنياهو، فما زالت العلاقة بين الاثنين تطاردها عشرات إن لم تكن مئات الاسئلة، وأقصد طبيعة هذه العلاقة وتاريخها وأسباب قوتها لهذه الدرجة التي تجعل ترمب يصف نتنياهو بأنه بطل بل ويطالب وبكل جرأة ولا أريد قول "وقاحة" دولة الاحتلال "بالعفو" عنه ووقف محاكمته وهو أمر استفز دولة الاحتلال التي تُسوق نفسها بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وبالعلاقة الحالية بين "الأب ترمب" والابن "نتنياهو" أدرك الجمهور الإسرائيلي الذي غٌلف دماغه على مدى عقود طويلة بأن لهذا "الرعاع" دولة مستقلة يمكنها أن تتخذ قراراً استراتيجياً واحداً بدون الرجوع "للأم المرضعة" ماما أمريكا أو "الأب الحنون" بابا أمريكا.
الرئيس ترمب عبارة عن "بلدوزر" لا يفكر بما يوجد تحت عجلاته، وهنا أقصد قوة الولايات المتحدة الأمريكية وفائض القوة الموجودة لديه كشخص وكرئيس و تحديداً في هذا الظرف الدولي، وهنا تكمن نقطة ضعفه فهو يرى العالم كما يتمناه، ويعتقد أنه يحكمه و يستطيع فعل ما يريد، وفي ذروة هذه النشوة تفاجأ بنتائج مدينة نيويورك، التي استطاع فيها (الشاب المسلم زهران ممداني) من الفوز بالانتخابات التمهيدية واقترابه من أن يصبح عمدتها، وهو أمر لا أعلم شخصياً كيف تعامل ويتعامل معه وهو من الناحية العملية ابن نيويورك، فهي لطمة كبرى أن يحدث ذلك في نيويورك التي طالما اعتبرها ترمب وعتاة الصهاينة أنها معقلهم و قلعتهم المحصنة؟؟
والسؤال المهم كيف سيتعامل ترمب مع نتائج انتخابات نيويورك، والأهم كيف سيتعامل مع ضراوة الصراع المجتمعي وفي أوساط "أولاد النخب" التي ترفض سياساته وقبله بايدن كسياسات جائرة تجاه الشعب الفلسطيني والتي لا تتسق مع مبادئ الدولة الأمريكية وتحديداً (الحرية والعدالة)؟؟
شخصية كشخصية ترمب لا تتحمل أن يقال لها (لا) ولكن إن تم ذلك فالهزة النفسية والعقلية له ستكون أقرب للزلزال.