ما تزال إسرائيل تفضّل التعامل مع القضية الفلسطينية الكبرى بالقطعة، غير أنها تصطدم بحقائق تجعل القضية أشبه بكابوسٍ لا تملك الاستيقاظ منه.
محلياً حيث الصراع الداخلي في إسرائيل يتمحور بجزءٍ كبيرْ منه حولها، وإقليمياً ودولياً حيث القضية التي حاربت إسرائيل عقوداً طويلةً من الزمن لتصفيتها ما تزال على رأس جدول أعمال العالم، بما في ذلك المأدبة الاحتفالية التي جرت في البيت الأبيض والتي كان حل الدولتين حاضراً فيها، والمهم بالنسبة لنا ما يتصل بالدولة التي لم تقم بعد، وهي الفلسطينية.
ولوحظ كذلك كيف تجنب الرئيس ترمب الإجابة عن السؤال حولها وأحالها لنتنياهو ليس من قبيل الإنكار وإنما من قبيل التوريط.
تجزئة القضية الفلسطينية ليسهل ابتلاعها قطعة وراء قطعة عمليةٌ فاشلةٌ من أساسها، ومعطيات الواقع تثبت ذلك، وأمثلته الحية كثيرة، نختار منها نماذج ذات دلالات ليس من التاريخ، وإنما من الحاضر، وآخر ما حرر مهزلة إمارة الخليلي التي حوّلها "الخلايلة" والفلسطينيون إلى نكتة، وإذا كانت روابط القرى بدأت في الخليل ودُفنت فيها بعد فترة زمنية لا بأس بها، فإن دفن نسختها الثانية المسماة بالإمارة لم يستغرق سوى ساعاتٍ قليلة، لتقود الخليل عمليةً وطنيةً حاسمة، أرسلت للمجتمعين في واشنطن رسالةً بليغةً تقول، الفلسطينيون شعبٌ واحد موحد نحو أهدافه الوطنية ومن ضمنها الدولة المستقلة وليس الإمارة الوهمية.
وفي غزة، تتمسك إسرائيل حتى الآن بمحور موراج الذي يفصل رفح عن باقي مدن القطاع، والذي يسيمه نتنياهو فيلادلفي 2، ويلّوح وزير دفاعه بافتعال حلٍ لغزة بتهجيرها إلى داخلها، بعد أن يئس من تهجيرها إلى خارجها، وذلك بما يسمى بالمدينة الإنسانية، لسجن مئات آلاف الفلسطينيين فيها، في سعيٍ من أصحاب الفكرة البائسة ومستحيلة التنفيذ، بأنها ستمزق غزة سكانيا وجغرافياً لتعميم النموذج الخيالي على كل فلسطين في وقتٍ ما.
وهذا... رغم كل ما لدى إسرائيل من إمكاناتٍ توفرها بالطبع إدارة ترمب، إلا أن الحقيقة الأعمق والأهم هي استحالة النجاح فيها وفي غيرها من محاولات الحلول بالقطعة.
في غزة موراج وفيلادلفي سيعودان إلى أهلهما الغزيين، وفي الضفة الوحدة والتماسك والتشبث بالوطن وتحريم رفع الراية البيضاء يرهق الإسرائيليين أكثر من غيرهم، وهنالك في أمريكا التي هي قاعدة الإسناد للفجور العدواني، من بدأ يستفيق على الحقيقة ويعترف أن إسرائيل بعدوانها الجنوني في المنطقة تجسّد عبئاً كبيراً وليبس ميزةً يعتد بها.
العالم يجمع على حتمية قيام الدولة الفلسطينية كأساسٍ لاستقرار الشرق الأوسط على أنه الرد العالمي الوحيد على العبث الإسرائيلي بالمنطقة وعلى فشل التعامل مع القضية الكبرى بالتجزئة.
للقضية الواحدة حلٌ واحد، هو قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، مع حل قضية اللاجئين وفق القوانين الدولية وقرارات شرعيتها، وغير ذلك فحلول التجزئة تأتي دائماً بعكس ما تريده إسرائيل ولا نتيجة لها سوى إدامة الصراع وإشعال المزيد من الحروب.