حرب المائة عام، ولعلها بدأت فعلاً!!!

 

 

 

إنها حرباً مفتوحة على كل الوسائل والزمن، وقد تمهد لحرب المائة عام، ولعلها بدأت فعلاً، لا أفق يظهر سوى الموت والدمار، ولا مجال عن توقف نتنياهو عن السياسات العمياء التي لا يمكن لأحد التكهن بها، قد تفجر الشرق الأوسط وقد تفجر العالم، ولا شيء مستبعد على إسرائيل، هذا هو العالم الذي نعيشه لا حق فيه الا للقوة ومن يملكها، مالا تحققه القوة يحققه المزيد منها، ولا صوت في العالم يعلو على الصوت الأمريكي كل دبلوماسية هي دبلوماسية طواحين الهواء، وأي مهزلة تلك حين يطرح الأمريكيون أنفسهم كوسطاء في غزة ولبنان ووجودهم بالشرق الأوسط مرهون بوجود إسرائيل، ألم يبلغ نتنياهو الأمريكيين "لولانا لم كان لكم موطئ قدم في الشرق الأوسط"، ألم يعلم نتنياهو لولا أمريكا دولته لاوجود لها، إسرائيل تصعد، وأمريكا تبدو كأنها شاهد على ما يجري وتتخوف من التصعيد، وهي التي تغذي الحرب وتسلح وتحمي وتدعم إسرائيل، وأن الدبلوماسية هي المطاف الأخير وما سوف يؤدي إلى تهدئة أو مزيد من التصعيد، أمريكا مع المفاوضات ومع الحرب حتى اشعار أخر، فأين هو اللاعب المنخرط بالعملية الدبلوماسية والسلام!!.

استقبل نتنياهو كبطل يحمل رايات النصر في البيت الأبيض، وهذه ليست الأولى فالكونغرس الراعي الأكبر للإرهاب "يمول ويسلح مجرمي الحرب في غزة" صفق لمذابح نتنياهو أكثر من ثمانين مرة، لقاء نتنياهو وترمب لا لشيء سوى تحديد مستقبل غزة ومستقبل القضية الفلسطينية، تصفية المقاومة وحماس وفتح والسلطة واتفاق اوسلو قد يصبح قيد النسيان، أليس هو المنتصر فيحق له فرض رؤيته وشروطه، نتنياهو قاتل الأطفال متملقاً يرشح شريكه ترمب "أليس هو من يدعم ويصفق لجرائمه وموبقاته" لجائزة نوبل للسلام أين نوبل وأين السلام!، كالعادة هنا يجب أن يكرم القاتل الذي سيترك بصمات حالكة في تاريخ البشرية تحت شعار السلام الذي يجري تعريفه بالإرهاب الإسرائيلي باعتبار أن الجرائم والقتل والتجويع تخدم عقيدته، كل ما نشهده في غزة يثبت واقع الحال أن إسرائيل دولة ارهابية متهمة بجرائم الإبادة الجماعية الموصوفة أمام محكمة العدل الدولية، ولكن إسرائيل لا تبالي للقواعد والقوانين الدولية ولا لمجلس الأمن ولا للعالم، إسرائيل تهتم فقط بأمريكا والرئيس الأمريكي، فكيف إذا كان ترمب!.  

التماهي بين ترمب ونتنياهو بلغ مداه ليس بالتكامل الاستراتيجي فحسب بل الايديولوجي، بناءً على طبيعة العلاقة بين الادارات الأمريكية المتعاقبة وإسرائيل والتي لن تخرج عن مسار العلاقة التاريخية منذ تأسيس الحركة الصهيونية التي تسبق قيام دولة إسرائيل لتعود بجذورها إلى هجرة المؤسسين الأوائل للعالم الجديد "أمريكا" وبناء مستعمراتهم حاملين معهم مفاهيم وأساطير العهد القديم معتقدين أنهم "بنو إسرائيل" وأن العالم الجديد هو "أرض كنعان"، جزء كبير من الموروث الديني الأمريكي يتشكل من الصهيونية منذ هجرة البيوريتان إلى العالم الجديد في القرن17حاملين معهم العقائد التوراتية والعهد القديم، وهم أتباع حركة الاصلاح الديني البروتستانت التي ظهرت في أوروبا في القرن16 على يد مارتن لوثر، الحركة الصهيونية ومؤسساتها تغلغلت في الداخل الأمريكي منذ انتقال مركز الثقل داخل الحركة من بريطانيا إلى أمريكا لتصبح قوة مؤثرة في توجيه السياسة الأمريكية تجاه المصالح الإسرائيلية وخاصة سياستها في الشرق الأوسط، وتداخلت في هذه الحركة أساطير صهيونية وتوراتية مبنية على تراث العهد القديم فأنتجت الصهيونية الدموية "إسرائيل قامت بالدم، وتقوم بالدم".

إسرائيل تمارس القوة ليخضع الشرق الأوسط لإرادتها، نجح نتنياهو بالفعل بتغيير الشرق الأوسط ويسعى إلى استكمال التغيير، وما يطرح امكانية ضرب إيران مجدداً ومواصلة حرب الابادة الجماعية والشروع في ضم الضفة وتحقيق النصر المطلق ناسفاً كل الاتفاقيات والمناشدات بإيقاف الحرب، السلام مقابل السلام مع العرب وتجزئة المجزأ وشرذمة المشرذم إلى مكونات طائفية وعرقية وشيعية وسنية ودرزية وكردية وتسليحها للاقتتال مع بعضها ليسهل عليه ادارة المنطقة وموارده وثرواته، والسيطرة على الممرات المائية في البحر الأحمر وبسط نفوذها على الثروات الغازية والنفطية وتحجيم النفوذ الروسي الصيني في الشرق الأوسط وترتيبه بما يخدم المصالح الأمريكية والغربية، وهو جزء لا يتجزأ من استراتيجية إسرائيل بصرف النظر عن المجازر المرتكبة.

 الوضع في غزة والمنطقة خارج السيطرة بظل العمليات التي تقوم بها إسرائيل، نحن أمام موقف خطير، وكل الاحتمالات واردة في الأيام القادمة، دعم أمريكي مستمر لإسرائيل التي تستفز وتستنزف ايران وحزب الله والحوثيين وتزيد من مستوى عملياتها وتهديداتها، تحولت جبهات المعارك إلى ميادين لاختبار التكنولوجيا والتحكم عن بعد "تسلح التكنولوجيا"، وباتت تمتلك قدرات عالية على تغيير مسار التطورات الميدانية في مناطق الصراع الساخنة، هذا ما كان واضحاً في الضربة التكنولوجية القوية التي وجهتها لإيران وحزب الله من خلال هجماتها على أنظمة الاتصالات، مما جعلهم أمام معضلة استراتيجية فهم يواجهون قوة عسكرية وتكنولوجية في غاية الخطورة ولا يريدون الانجرار إلى مواجهه مفتوحة، وإسرائيل أيضاً أمام معضلة استراتيجية مرهونة بتوترات شؤونها الداخلية، ورفع الغطاء الأخلاقي عنها أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في غزة فهي تواجه وضعاً لم يسبق له مثيل منذ قيامها، وفقدانها اليوم ما أرعبت به المنطقة طيلة العقود الماضية من نظريات تفوق الردع والانتصارات الحاسمة، على الرغم من الانتصارات التكتيكية في تدمير قوة المقاومة في غزة واستهداف قياداتها وجعل غزة مكان غير قابل للحياة.

كل ذلك يضع إسرائيل أمام مخاطر وجودية وخطوة في طريق الانحدار، فالأفق بات أمامها ضيق، إسرائيل بجنونها العسكري كذلك بإخفاقاتها العسكرية تحولت إلى عبء على المصالح الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وبقاء هذه المصالح مرهون بحل القضية الفلسطينية، واستراتيجية نتنياهو سوف تؤدي إلى نتائج عكسية، والوضع الحالي لن يستمر فهناك متغيرات وتباينات كبيرة يشهدها العالم، دول تتمرد على الحظر في الاعتراف على الدولة الفلسطينية، فهذا يعني انقلاب الوضع الخارجي الذي كان دائماً في مصلحة إسرائيل، والكل بما فيها القيادة الأمريكية يدرك أن انهاء المأساة في غزة سوف يؤدي إلى نزع فتيل الأزمة، ولكن هناك رؤية سلبية لدور أمريكا في هذه الحرب والوقوف الأعمى إلى جانب إسرائيل، وتجاهل بقية العالم قد ينقلب إلى نقمة ولن يبقى نعمة كما تتصوره أمريكا.

"العالم يكتب من جديد، ونحن لا نملك حتى الحبر"، حتى عندما ينجح العرب في عقد قمة عربية أو جلسة طارئة في مجلس الأمن، تمخض عنها فأراً، إن الصمت لم يعد خياراً في عالم يعاد تشكيله من دون مشاركتنا وربما على حساب وجودنا ومصالحنا.

 

 

 

 

Loading...