لا أعلم إلى أي مدى أدى ويؤدي الجهل بعقلية وعقيدة اليمين الإسرائيلي من قبل بعض العرب بمستوياتهم ومواقعهم المختلفة إلى "التقزّم السيكولوجي والأيديولوجي" أمام هذا اليمين للدرجة التي نجح فيها هذا اليمين "في مسخ" هذا البعض وجعله يؤمن بأن "إسرائيل" هي دولة صديقة يمكن التفاهم والتحالف معها، وهو أمر يدلل على أن العقل الذي ينتج هذا التصور هو عقل بائس وجاهل ولا يعرف شيئاً عن العقلية العنصرية التي لا تؤمن بالآخر (الأغيار) حتى وإن كان هذا الآخر هو أقرب الحلفاء لها، وهذا التمييز يظهر التطبيق الحرفي لما جاءت به التوراة (أنتم شعب مقدس للرب إلهكم إياكم اختار الرب لكي تكونوا له شعباً خاصاً من بين جميع الشعوب)، (سفر التثنية 6 : 7 ( .
إذا ما دققنا بهذا "السفر" نرى أن "إسرائيل" تمارس هذا الأمر بكل وضوح وبلا أي نوع من الخجل أو الوجل مع الشعب الفلسطيني فهي "شعب الله المختار" وهو أمر يجمعها تماماً مع النازية التي تعاملت مع اليهود في أوروبا على أنهم دون البشر، فاليهود الذين يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار كانوا في نظر النازيين أناس لا يستحقون الحياة، ولذلك قام هتلر بمجموعة من الممارسات الوحشية بحقهم في ألمانيا وبولندا والتشيك وغيرها من البلدان في أوروبا أبرزها:
• سن قوانيين عنصرية بحقهم وأبرزها قانون "نورمبرغ " حيث حرموا من جنسيتهم الألمانية ومنع الزواج منهم وفرضت عليهم قيود قاسية لمنعهم من العمل.
• في نوفمبر من عام 1938 تعرض اليهود وبتواطؤ رسمي في ألمانيا والنمسا إلى هجوم منظم سمي ذلك الهجوم (بليلة الزجاج المحطم) حيث تم تدمير ألف كنيس يهودي، وتحطيم آلاف المحال والبيوت العائدة ليهود واعتقال 30 ألف منهم.
• انشئت لهم معسكرات اعتقال جماعية والتي تحولت لاحقاً إلى معسكرات إبادة جماعية وأشهرها "اوشفيتز" حيث قتل قرابة 6 ملايين يهودي معظمهم في غرف الغاز أو بالإعدام الجماعي أو التجويع "ركز على التجويع"
• سياسة العزل في "الغيتوهات" والتي تم فيها حشر ملايين اليهود في مناطق مغلقة وفقيرة في أوروبا الشرقية في ظروف غير إنسانية من دون طعام ولا دواء ولا كهرباء (هذا ما يجري حالياً في غزة)، هذا بالإضافة إلى الترحيل القسري الذي جرى بحق اليهود في أوروبا حيث تم ترحيلهم من بلدانهم الأصلية من فرنسا وبلجيكا وهولندا والمجر واليونان والنمسا إلى معسكرات الإبادة وكانوا ينقلون في عربات مغلقة للحيوانات في رحلات تستمر لعدة أيام بدون طعام أو ماء تكون حصيلتها موت الآلاف خلال عمليات التهجير هذه.
• كان النظام النازي يمارس تجارب طبية وحشية على اليهود منها تجارب التجميد، اختبار العقاقير السامة، واستئصال الأعضاء بدون تخدير ومن أبرز مرتكبي هذه الجرائم هو الطبيب (جوزيف منغيلية) في معسكر اوشفيتز (الإسرائيليون يسرقون أعضاء الشهداء ويسرقون جلودهم ويجرون تجارب وحشية).
والسؤال كم من هذه الممارسات تراها الآن وقبل الآن تُمارس في غزة والضفة الغربية وتحديداً منذ تسلم نتنياهو رئاسة الحكومة الإسرائيلية عام 2009 والمستمر فيها إلى الآن عدا فترة نفتالي بينت (عام تقريباً)، فكم هي درجة التطابق بين النظام النازي وبين سلوك الاحتلال الإسرائيلي؟
أما السؤال الأهم وهو نفسي وسلوكي قبل أن يكون سياسيا، وهو لماذا يفعل "اليهود" الذين عُذبوا وتعذبوا في الأرض هذه الممارسات مع شعب آخر لم يمسهم في يوم من الأيام بأي ضرر؟
في الجواب أستطيع القول أن هناك نظريات عديدة تفسر لماذا تتحول الضحية إلى جلاد ونظريات أخرى غذت هذا السلوك وفسرته ومن أبرزها:
نظرية التعويض النفسي، ونظرية "نقل العدوان" لفرويد ونظرية "التنافر المعرفي" لليون فستنغر" الذي يشرح فيها كيف يقوم مجتمع يرى نفسه ضحية ومتفوقاً أخلاقياً بإعطاء نفسه الحق في ممارسة القمع بحق مجتمع آخر أو شعب آخر، ونظرية “الثقافة العنصرية“ لجوزيف آرثر دو غوبينو.
يعد نتنياهو بخلفيته الاجتماعية والعقائدية من أبرز مرضى "النازية السلوكية" التي جعلته يطبق ما قام به هتلر إلى حد كبير على الشعب الفلسطيني.