إن البديهة تقتضي معاداة إسرائيل، لأنها كلما ازدادت قوة، ازداد الشعب الفلسطيني سحقًا، وازدادت العدالة السياسية تراجعًا. فإسرائيل اليوم بلا رادع، ما يعني استباحة لبلادنا وحدودنا وحقوقنا، بل حتى لجغرافيتنا ومصالحنا وطموحاتنا ومناعتنا الوطنية. إن العداء لإسرائيل هو تمسّك بحقوقنا وحقوق الشعب الفلسطيني المعذَّب.
العداء لإسرائيل هو من أجل مستقبلٍ بلا ظلم؛ عداءٌ يقود إلى العدالة والحق، لا عداء من أجل الإبادة، ولا لمحو أحدٍ عن وجه الأرض، ولا لرمي أحدٍ في البحر!! لكن ذلك لا يعني أبدًا أن نمنح انحيازا تلقائيًا وأعمىً لكل من يرفع شعار العداء لإسرائيل. كفانا سبعين عامًا من الاصطفاف خلف أنظمة حكمت بالحديد والنار، من الناصرية إلى صدام حسين، إلى حافظ الأسد الأب ثم الابن، إلى معمر القذافي، وحتى إلى البشير. جميع هؤلاء، وبنسب مختلفة، حكموا بالدم والنار وفتكوا بشعوبهم وبالفلسطينيين، وكان كل ذلك باسم فلسطين!
أمّا الأسوأ، وربما الأشد تخريبًا في تاريخ الاستبداد، فكان الاستثمار الإيراني في القضية الفلسطينية. يكفي ما فعله الإيرانيون من تقسيم للشعب الفلسطيني داخل حدود السلطة الفلسطينية وخارجها، وخصوصًا في مخيمات الفلسطينيين في سوريا ولبنان، وفي أماكن كثيرة أخرى (خروج حماس والجهاد الإسلامي عن الشرعية الفلسطينية).
يأتيك من يقول اليوم بأن إيران 'مختلفة عن الجميع' لأنها سلّحت ودربت الفصائل المتحالفة معها. لكن السؤال لهؤلاء: أي من الأنظمة التي ذكرناها سابقًا لم يسلّح فصيلاً فلسطينيًا ليجعله أداة في خدمة النظام الذي قدم له المال والسلاح؟ كلنا نعرف النتيجة التي وصلنا إليها في عام 1982: اجتياح لبنان.
فما الذي يفعله اليوم حلفاء إيران في غزة والضفة ولبنان غير ما كان قبل اجتياح 1982؟
للأسف، تتعلم الشعوب دروسها من أكثر الطرق وعورةً ومشقّة.