مع أن التصويت الذي تم في الكنيست على مبدأ ضم الضفة، وصف بغير الملزم، إلا أن نسبة التأييد بالقياس مع نسبة الاعتراض، قطعت بأن الضم يظل على رأس جدول أعمال الدولة وممثلي المجتمع، وأن تطبيقه ينتظر فجوةً دوليةً يمر من خلالها، ذلك مع رهانٍ على أن ينضج قرارٌ أمريكي بهذا الاتجاه.
الضم سواء تم اتخاذ قرارٍ ملزمٍ بشأنه، أو ظل على جدول الأعمال في انتظار تطورٍ يسمح بتنفيذه، يعتبر المؤشر الأدق على أن الدولة العبرية اختارت طريقاً يؤدي إلى استحالة تحقيق ما تصبو إليه كدولةٍ طبيعيةٍ من دول المنطقة، أو كما يحلو لها أن تسمي نفسها بواحة الديموقراطية الوحيدة في صحراء الشرق الأوسط.
إنها بهذا التوجه تدوس بأقدامها مسار التطبيع الذي تم، والذي يجري السعي لإتمامه، ألم يكن أحد مسوّغات التطبيع المستجد ثني إسرائيل عن ضمّ الأغوار وغيرها من المناطق الفلسطينية؟ فإذا بها تحصل على التطبيع وتواصل السير نحو الضم كقرارٍ أساسي إن لم ينفذ اليوم فسوف ينفذ غداً أو بعد غد.
الحكاية في أصلها ليست قراراً من الكنيست أو الحكومة بالضم عاجلاً أم آجلاً، بل في الاحتلال والاستيطان، الذين هما أساس السياسة الإسرائيلية الاستراتيجية فيما يتصل بالفلسطينيين وحقوقهم وحاضرهم ومستقبلهم.
والمعادلة تقول إن استمرار الاحتلال والاستيطان والقتل والتدمير وسد الآفاق على أي تسوية للقضية الفلسطينية، هو شكلٌ من أشكال ضم فعلي لا حاجة له بصدور قرار عن مؤسسات دولة تقوم باحتلال شعبٍ آخر، وتواصل التنكيل بحياته ومقدراته، وهو كذلك برهانٌ يقدم للعالم كله على أن السكوت عمّا تفعل إسرائيل هو شكلٌ من أشكال القبول به، دون أن نقول يجسّد مستوى شراكةٍ فيه.
قرار الكنيست وإن كان غير ملزمٍ للحكومة كي تطبقه اليوم، فهو مؤشرٌ كافٍ على أن الاحتلال باقٍ والاستيطان مستمر، ما دام تصويت الكنيست حول الضم يلتقي مع تصويتٍ سبقه حول تحريم قيام الدولة الفلسطينية.
الكنيست والحكومة والدولة، ليسوا قضاءً وقدراً على الشعب الفلسطيني، لا يملك إلا القبول به والتكيف معه، فهو قرار احتلالي عنصري، يرفضه الشعب الفلسطيني بإجماعٍ مطلق، ويقاومه بكل الوسائل المشروعة والفعّالة، ويرفضه الإقليم والعالم، وبعد أن تتبلور إدانةٌ دوليةٌ شاملة لتصويتات الكنيست ستكون المعركة السياسية حول هذا الأمر وغيره قد دخلت مرحلة جديدة، إذ لا سكوت على مؤشرٍ خطيرٍ كهذا، وينبغي أن لا يكون هناك تراخٍ في رفضه والعمل الجدي لمحاصرته، ليس في القرارات والتوجهات وإنما على الأرض، ونقول سلفاً لم تعد تكفي مواقف التنديد، فالأمر صار بحاجةٍ إلى ما هو أفعل من ذلك، والعالم الذي عاقب على ما هو أقل بكثيرٍ مما تفعله إسرائيل مطلوبٌ منه أن يفعل ما فعله في أماكن أخرى وحول قضايا مماثلة بل وأقل، وإلا فإن الأمر عملياً سيتجاوز مصطلح الكيل بمكيالين الذي استخدمناه كثيراً في وصف المواقف والسياسات الأمريكية والغربية عموماً ليصل حد القول الصريح بأن من لا يتخذ إجراءاتٍ عقابيةٍ محددة، ويكتفي بالتنديد اللفظي فهو شريكٌ فيما يجري والذي يجري هو أفدح جريمةٍ مكتملة الأركان في هذا العصر.