صحافة وتقارير

حين تُغمض الولايات المتحدة عينيها عن ضمّ الضفة، يسارع المستوطنون إلى اغتنام الفرصة | هآرتس

وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو يصف الضم كاستجابة طبيعية للاعتراف الأوروبي بدولة فلسطينية، لا كخطوة إضافية في طريق نحو دولة أبارتهايد. وبينما يلتزم ترامب الصمت إزاء الموضوع، يعمل مكتب روبيو على سد الفجوة الصغيرة التي قد تبقى بين الموقفين الإسرائيلي والأميركي.

روبيو حرص على ألا يُظهر دعماً أو معارضة لضمّ إسرائيلي لأجزاء من الضفة الغربية. وعندما سُئل عن ذلك في مؤتمر صحافي مع وزيرة خارجية الإكوادور يوم الخميس، قال إنه حذّر الدول الغربية بأن "هذا ما سيحدث" إذا ما اعترفت بدولة فلسطينية. وقدّم الضم كأنه ظاهرة طبيعية لا مفر منها، لا كخطوة سياسية مثيرة للجدل تقود الحليف الأقرب لواشنطن في الشرق الأوسط إلى التحول إلى دولة أبارتهايد.

صحيح أن روبيو أبدى تحفّظاً مبطناً حين قال: "هذا ليس نهائياً، إنه يُناقش في أوساط معينة من السياسة الإسرائيلية". لكنه شدّد في الوقت نفسه على أنه "لن يعبّر عن رأيه بهذا الشأن اليوم". وبحسب ما هو معروف، لم تحصل إسرائيل بعد على موافقة أميركية للضم، رغم وجود اتصالات، لكن بالنسبة لـ"تلك الأوساط" في السياسة الإسرائيلية، فهذا لا يهم كثيراً.

بتسلئيل سموتريتش، الذي تقع تحت صلاحياته معظم المجالات "المدنية" في الضفة، عرض هذا الأسبوع خطة ضم مفصّلة تُبقي جيوباً فلسطينية معزولة بعضها عن بعض، ومحاطة بأراضٍ تحت سيادة إسرائيلية. الفلسطينيون القلائل الذين سيبقون هناك بعد عمليات الترحيل التي ينفذها المستوطنون، لن تكون لهم حقوق مدنية أو سياسية. مدير مجلس المستوطنات عومر رحاميم سارع إلى تفسير كلام روبيو بشكل انتقائي، وأعلن: "الولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل لفرض السيادة".

كل ذلك يجري، كما ذُكر، على خلفية تهديدات متكررة بفرض السيادة "رداً" على اعتراف دول غربية بدولة فلسطينية. هذه التهديدات نُقلت إلى الدبلوماسيين الفرنسيين والبريطانيين منذ أشهر، وبالدرجة الأولى من الوزير للشؤون الاستراتيجية رون ديرمر. أما وزير الخارجية غدعون ساعر فلا يتحدث علناً عن الضم، لكنه يحرص على تسريب أنه يعمل على ذلك في الكواليس. وحسب تقارير، فقد ناقش المسألة مع روبيو مؤخراً.

ترامب يلتزم صمتاً تاماً بشأن الضم وحل الدولتين. وفي غياب توجيه واضح من القمة، ينشط موظفو وزارة الخارجية الأميركية ومن حول البيت الأبيض لردم الشق الصغير الذي ربما تبقى بين الموقفين الإسرائيلي والأميركي. قبل أسبوعين ونصف أُقيل من الخارجية الأميركية المتحدث المعني بالنزاع الإسرائيلي–الفلسطيني، شاهد قريشي، على خلفية خلافات بشأن موقف الوزارة من السياسة الإسرائيلية في الضفة وغزة. وقبيل إقالته تلقى تعليمات بحذف من رد الوزارة جملة تقول إن الولايات المتحدة "لا تؤيد ترحيل الفلسطينيين من غزة قسراً". كما مُنع من تقديم تعازي الوزارة لعائلات الصحافيين الذين قُتلوا في اغتيال مراسل الجزيرة أنس الشريف.

وثيقة وصلت إلى "هآرتس" كشفت أن ديفيد ميلشتاين، مستشار السفير الأميركي في إسرائيل مايك هاكابي، اقترح الإشادة برئيس مجلس النواب مايك جونسون كونه أول من زار المستوطنات أثناء توليه المنصب. ميلشتاين أراد إدراج في وثيقة رسمية أميركية العبارة التالية: "الإدارة اعترفت بالحقوق التاريخية والقانونية للشعب اليهودي في أرض إسرائيل، بما في ذلك يهودا والسامرة". الاقتراح أُلغي، لكن المتحدث قريشي الذي احتج عليه أُقيل.

في الوقت نفسه، تتزايد الخطوات الأميركية العلنية والمهينة ضد السلطة الفلسطينية، بالتنسيق مع إسرائيل وربما بإيعاز منها: بدايةً، سحبَت الخارجية الأميركية التأشيرات من القيادة الفلسطينية، ما حال دون مشاركة رئيس السلطة محمود عباس في قمة الزعماء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي جلسة كان من المفترض أن تعلن خلالها فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا ودول أخرى الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية. هذا الأسبوع فرض مكتب روبيو عقوبات على ثلاث منظمات حقوقية فلسطينية بسبب تعاونها مع المحكمة الجنائية الدولية في تحقيقات ضد إسرائيل. أما السفير هاكابي فذهب أبعد قليلاً، إذ كتب في تغريدة، بعد هجوم نتنياهو على المحكمة: "يجب إغلاقها".

على هذه الخلفية، ضاعت ملاحظة حذرة لهاكابي في حديث مع الصحافي باراك رافيد ضد الخنق الاقتصادي الذي تفرضه إسرائيل، بقيادة سموتريتش، على السلطة الفلسطينية. هذا الموضوع، الذي يقلق الدبلوماسية الغربية وكان سيحتل رأس جدول الأعمال الدولي في أيام "روتينية" من الاحتلال، يكاد لا يُذكر. في الأثناء، يواصل نتنياهو تجاهل زعماء الغرب، والاعتماد حصرياً أكثر فأكثر على الدعم الأميركي، مؤكداً عملياً مقولة ستيف بانون، مستشار ترامب السابق وصاحب نظريات المؤامرة، بأن إسرائيل ليست حليفاً لأميركا بل دولة محمية تابعة لها.

الأجواء في محيط رئيس الحكومة حول احتلال غزة تقول إنه ينبغي اغتنام ما يمكن تنفيذه طالما أن الولايات المتحدة تسمح بذلك. والمناخ بخصوص الضم قد يكون مشابهاً: ما دامت واشنطن لا تقول "لا"، وتردد السردية بأن الأمر ردّ طبيعي صهيوني على الاعتراف بدولة فلسطينية، ينبغي طرق الحديد وهو ساخن.

يوم الاثنين من المتوقع أن يزور روبيو إسرائيل للمشاركة في تدشين "طريق الحجاج" في مدينة داوود، بتمويل جمعية "إلعاد". ستكون هذه المرة الثالثة لتدشين الطريق ذاته، أو بالأحرى النفق. الأولى في عام 2016، بمشاركة وزيرة الثقافة آنذاك ميري ريغيف. الثانية في 2019، بحضور السفير الأميركي آنذاك ديفيد فريدمان وزوجة رئيس الوزراء سارة نتنياهو. أما هذه المرة فمن المرتقب أن يشارك وزير الخارجية الأميركي نفسه في الحدث. وربما هناك، في القدس، تحت الشارع الرئيسي لقرية سلوان التي تخضع منذ سنوات لعمليات تهويد، يقتنع روبيو بحق "التاريخي والقانوني" للشعب اليهودي على "أرض إسرائيل الكاملة".

ترجمة عصمت منصور

 

 

 

Loading...