الغارة الجوية الإسرائيلية في الدوحة تبدو كأكثر عملية عسكرية جنونية في تاريخ إسرائيل. أي دولة تُقدم بوحشية على اغتيال أشخاص يجرون معها مفاوضات حول إطلاق سراح أسراها، بينما هم مجتمعون لمناقشة صيغة صفقة ووقف الحرب التي صيغت برعاية أمريكية؟ وتفعل ذلك فوق أرض واحدة من وسيطتين ثابتتين منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، لم تكتفِ بالمساعدة في بلورة الصفقات السابقة بل استضافت في المدينة ذاتها فرق الطرفين، بما في ذلك الإسرائيليين؟
الجواب: فقط دولة فقدت صوابها، بشكل نهائي ومطلق. حتى الآن فعل نتنياهو ومساعدوه وأبواقه وأدواته المزروعة كل ما بوسعهم لإفشال صفقات الأسرى، بطرق ملتوية ومعقدة. كنا نظن أن ذلك يفوق كل خيال، ثم جاءت مرحلة التصعيد: محاولة قتل أولئك – أشراراً كانوا كما هم – المكلّفين بإعادة الأسرى الذين يذوون في الأنفاق.
المرحلة التالية هي ربما قتل الأسرى أنفسهم من الجو. وربما هذا جارٍ بالفعل عبر القصف على مدينة غزة المليونية، تلك "العاصفة الهوجاء" التي يواصل وزير الدفاع الأبله، يسرائيل كاتس، الوعد بها، وتشمل "إسقاط أبراج الإرهاب" كما يتفاخر نتنياهو – من دون أن يتطرق للسؤال عما إذا كان تحت الأنقاض، إلى جانب مئات الضحايا "غير المتورطين"، لم يُدفن أيضاً أسرى إسرائيليون.
أنا ببساطة أشعر بالخزي لكوني إسرائيلياً. الدولة التي أحببتها وافتخرت بها، رغم عيوبها ونقائصها، تحولت رسمياً إلى كيان مختل، يهاجم ويدمر ويقصف في كل اتجاه، لا يستعمل إلا القوة، مجرد من كل دهاء أو حنكة، أعمى تماماً عن تبعات أفعاله (محلية، إقليمية، عالمية).
أنظر بيأس إلى الإعلام المتقزّم، الذي مرة تلو أخرى يقف انتباه ويُرغي على "عملية تاريخية" و"ذخائر دقيقة"، من دون أن يتوقف ليسأل أسئلة الأساس: ماذا تحقق؟ بأي ثمن؟ هل يخدم هذا المصلحة الوطنية لإسرائيل ومواطنيها (لا مصلحة نتنياهو)؟ وكيف يرتبط القرار وتوقيته بمحاكمته وتحقيقاته (قضية قطرغيت، الغواصات) ووضعه السياسي (قتلى، عمليات، استطلاعات)؟ بعد ذلك ألقي نظرة على المعارضة. لا وجود فعلياً لمثل هذا الكائن في إسرائيل إلى يمين الديمقراطيين. يائير لابيد يسارع إلى التهنئة، غانتس وتروبر يتوددان، وبينيت يواصل التنقل بين الاستوديوهات الأمريكية والبريطانية ليبرر أفعال الحكومة ورئيسها الذي يدّعي أنه بديل له. بالنسبة له، المشكلة الملحّة هي "الشرح"، أي ليس سياسة كارثية وإجرامية بل العجز عن تبريرها.
الاتحاد الأوروبي على وشك فرض عقوبات. وبعدها ستأتي قيود الدخول على الإسرائيليين. الأمن الشخصي والوطني في أدنى مستوياته على الإطلاق، إسرائيليون يُقتلون في العمليات ويُحرقون في الدبابات وناقلات الجند – وهؤلاء يتحدثون عن "روح الدولة" و"الشرح" و"الإسرائيلي الجميل" بدلاً من تمزيق وجوه المسؤولين الفاشلين عن هذه الكارثة المتدحرجة.
لكن كل ذلك يتضاءل أمام مسؤولية ووصمة منفذي الأوامر. وكالمتوقع، وفق نهج بافلوفي تماماً، نُشرت بعد الغارة التقارير المعتادة عن معارضة قادة المؤسسة الأمنية. رئيس الأركان عارض، القائم بأعمال رئيس الشاباك عارض، رئيس الموساد عارض، حتى رئيس مجلس الأمن القومي عارض! يمكنك أن تنفجر ضاحكاً، أو باكياً.
يعترضون – وينفذون. يبكون – ويطلقون النار. إلى حد بعيد، ذنبهم أكبر من ذنب نتنياهو. منه لم تعد هناك أي توقعات. فقد قرر منذ زمن أن يترك الأسرى لمصيرهم ويضحي بمئات الجنود الإضافيين من أجل إبقاء الحرب وحالة الطوارئ التي تمنع إسقاطه. بالنسبة له الغارة هدفت إلى إفشال عودة الأسرى وصرف نظر الرأي العام عن إخفاقاته، ولذا فقد نجحت بالكامل حتى لو لم يُقتل القادة في النهاية.
لكن كل قائد ومخطط وطيار شارك في هذه العملية مذنب بشراكة في جريمة. ونظراً للإفلاس الموصوف هنا، من الواضح أن الأمر لن يتوقف عند طهران والدوحة. الهدف التالي قد يكون إسطنبول، أو القاهرة. غارة تاريخية، بذخيرة دقيقة!
ترجمة عصمت منصور