لم تكد القمة العربية الإسلامية في الدوحة تنفض حتى أعلن الجيش الإسرائيلي رسميا بدء عمليته البرية في مدينة غزة، قائلا إنها المرحلة التالية من عملية «عربات جدعون» وهدفها «تدمير البنى التحتية لحماس حتى القضاء عليها تماما».
لا ننسى أنه بمجرد انتهاء القمة العربية الإسلامية في الرياض في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 كان نتنياهو يقول إن «إسرائيل لن تتوقف حتى إنجاز مهمتها في غزة، والانتصار، ولا بديل عن ذلك»، بل وقال بكل صلف أن «أي ضغط دولي لن يغير من إيماننا بحقنا وواجبنا في الدفاع عن أنفسنا، وإذا أردتم السلام والأمن وضمان مستقبل دولة إسرائيل فيجب أن نقضي على حماس».
هكذا كانت إسرائيل دائما بعد كل قمة تخرج مندّدة بما تقوم به من عدوان، حتى حين يقترن ذلك بعرض سلمي مغر كالذي قدّمته القمة العربية في بيروت في مارس/ آذار عام 2002 حين تبنت خطة سلام عربية متكاملة تعرض عليها تطبيعا كاملا مقابل انسحابها الكامل من الأراضي المحتلة عام 1967 وإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة. حكومة آرييل شارون، قامت وقتها بعد تلك القمة بيومين فقط، بإطلاق حملتها العسكرية «السور الواقي» بمشاركة أكثر من 30 ألف جندي، بهدف القضاء على الانتفاضة الفلسطينية الثانية، مع محاصرة مقر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في رام الله حتى مغادرته للتداوي في الخارج ووفاته مسموما عام 2004.
هكذا كانت إسرائيل دائما وستبقى. لا ترد على كل المطالبات الدولية بضرورة وقف حرب الإبادة في غزة سوى بمزيد الإصرار عليها، تاركة جيشها يقول إنه يعمل «بطريقة ممنهجة وشاملة» وإن عمليته «ستستمر لعدة أشهر» وسيدخل مدينة غزة «على «مراحل مختلفة».
لا تقبل إسرائيل سوى بالاستسلام الكامل للمقاومة في غزة، مع إشارات سريعة لإمكانية توقف الحرب بصفقة لا تريدها سوى بشروطها هي. لا معنى لانتظار أن يرتدع نتنياهو وحكومته بمطالبات دولية لإنهاء الحرب، فما بالك بالعربية والإسلامية، طالما أنها مازالت مسنودة بلا حدود من قبل إدارة ترامب التي أرسلت وزير خارجيتها للقاء نتنياهو وإبداء كل مظاهر التضامن معه، قبل انتقاله إلى قطر أمس لتأكيد التأييد لأمنها بعد الغارة الإسرائيلية على مقر سكني لحركة «حماس»، رغم كل ما كُشف إعلاميا مؤخرا عن تواطؤ أمريكي في هذه الغارة، على الأقل وفق ما ذكره موقع «أكسيوس».
الأقسى أن إدارة ترامب لا تكتفي بدعم وإسناد ما يقوم به نتنياهو في غزة، بل ولا تمانع في ما يقوم به في الضفة الغربية وآخر ما سجل في هذا الشأن ما نقلته «جيروزاليم بوست» عن السفير الأمريكي في إسرائيل بخصوص فرض السيادة على الضفة حيث يقول «لن نقول لإسرائيل ما يمكنها فعله وما لا يمكنها فعله، إنها دولة ذات سيادة «(!!) رافضا الجواب عن سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة ستعترف بالضم الإسرائيلي للضفة، مكتفيا بالقول «لا يمكن الرد على شيء لم يتم تنفيذه».
ورغم التفاوت الفاحش في موازين القوى بين جيش الاحتلال وما تبقى لكتائب القسام من قوة في مدينة غزة فإن هذا الجيش، الذي يقول إنه سيجنّد 130 ألف جندي احتياط ابتداء من الأسبوع المقبل، يرمي إلى ما هو أكثر من التخلص من هؤلاء الذين يقدّر عددهم بالآلاف و«تدمير البنية التحتية لحماس حتى الوصول إلى هزيمة الحركة». إن القصف الحالي للمدنيين والتدمير المتواصل للمباني لا يهدف سوى إلى الترويع والدفع إلى موجات نزوح لا تتوقف كتوطئة للهدف الاستراتيجي الأبرز وهو تهجير كل أهالي القطاع وإفراغه من سكانه بوهم إقامة مشاريع سياحية وعقارية فوق جثث الأطفال والنساء والشيوخ.
لا يهم نتنياهو الملاحق داخليا بتهم الفساد، وخارجيا بتهم ارتكاب جرائم حرب، أن يقال كل شيء عنه فقد اختار المضي قدما لا يلوي على شيء في «معركة وجودية» هي معركته الشخصية قي الحقيقة أكثر منها معركة دولته. لا يهم نتنياهو أن يقول عنه يائير غولان رئيس حزب الديمقراطيين المعارض بأن ما يعرضه عليهم «ليس أمنًا ولا اقتصادًا، بل نظامًا استبداديًا معزولاعن العالم يخضع لمقاطعة دولية خانقة». لايهمّه أيضا أن يقول غولان ما هو أكثر من ذلك مثل أن أجور جميع العاملين في الاقتصاد ستنخفض بنسبة 40 في المئة، وبأن اقتصاد البلاد سيصبح في النهاية بحكم ما يتهدده من عقوبات وحصار ومقاطعة «بلا واردات وصادرات، بلا تكنولوجيا متقدمة بلا صناعة متقدمة، بلد متخلف بالكاد يستطيع توفير البيض والحليب والماء لمواطنيه، الأجور في انخفاض والأسعار في ارتفاع، والمستقبل مُدمر، هذه كارثة اقتصادية وأمنية».
قد تكون إسرائيل مهددة فعلا بكل ذلك، حقيقة أو مبالغة، ولكنها لن تصل إلى هذه المرحلة إلا بعد أن تفعل بالفلسطينيين، وبالمنطقة، ما يحتاج عقودا طويلة لإصلاحه، خاصة إذا ما استمر الوضع العربي الرسمي على ما هو عليه الآن من ضعف وهوان، وكأن ما يجري قدر محتوم لا مفر منه.
عن القدس العربي