ما جدوى الاعتراف الدولي بإقامة دولة فلسطينية رغم دلالاته الرمزية والسياسية، والأسلحة الغربية والأسلحة الأمريكية مازالت تقتل!!، نتنياهو يرفض كل الوساطات لوقف اطلاق النار، حصار تدمير وتجويع، وايقاف الحرب لن يتم دون الاحتلال الكامل للقطاع، بل وتنفذ مخطط الترحيل والتطهير العرقي بالقوة وبيد من حديد، ربما فقدت إسرائيل البوصلة والمشروع، فالموتى لا يسقطون وحدهم أرضاً، فمن يسقط؟!، ما تعيشه اليوم ليس مجرد أزمة أمنية أو تعثر سياسي بل هو زلزال وجودي يدك المشروع الصهيوني من أساسه!، وتوأمه ترمب لا يحرك ساكناً تجاه غزة لا بل يهدد، لا دولة فلسطينية ولا فلسطينيين ولا حتى عرب على الاطلاق، "انهاء المهمة والقضاء على من تبقى في غزة فلا يستحقون سوى الموت" الموت أو الاستسلام، تعبير فاشي عن ذهنية حكام واشنطن اليوم.
ماذا يعني الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية وإسرائيل تحشر مليون فلسطيني جائع أمام معبر رفح بهدف اجبار مصر لاستيعابهم، صمت وصمت دولي على مجزرة لا تنتهي فليسقط العالم، ربما لتبرئ نفسها من دماء الأطفال ومن العار!!، ولكن الاعتراف لن يبرئ الغرب وخاصة بريطانيا من عذاباتنا وأزماتنا وآلامنا ربما لأنهم من صنعوا الدولة العبرية في منطقة تتمتع بحساسية جيواستراتيجية عالية قابلة جداً للانفجار، "نحن نعلم من هم رجال أمريكا ومن هم رجال فرنسا وحتى من هم رجال إسرائيل ولكننا لا نعلم من هم رجال بريطانيا التي طالما اضطلعت بدور يفوق دور الشيطان في العبث في العالم"، وكأن إسرائيل وليد ذاك الرحم، قدمته لأمريكا للتبني!.
لا يخفى على أحد دور الاستخبارات البريطانية في انشاء حركات دينية وتنظيمات طائفية في المناطق التي تستعمرها، وهو دور استمر مع البريطانيين واتسع مع أمريكا، والمفترض أن هذه الجماعات تستخدم كأدوات غربية باعتبارها صنيعة العديد من أجهزة الاستخبارات في العالم أمريكا وبريطانيا وأطراف أخرى فاعلة للعبث في وحدة واستقرار العالم وهندسته جيواستراتيجياً وفقاً لاعتبارات اثنية وعلى أسس جيواقتصادية دفاعاً عن مصالح نخبة قليلة تتحكم في مؤسسات صناعة السياسات البريطانية سرية ومتطرفة للغاية، بريطانيا أنشأت إسرائيل في البداية لتخدم استراتيجيتها في المنطقة وعند السقوط البريطاني وهبتها لتخدم الاستراتيجية الأمريكية، هكذا يكون الشركاء وان كان ارث ثقيل!، فإسرائيل مجرد أداة وحلقة في لعبة معقدة تشير إلى حجم ما تتطلبه المواجهة من جهود وأدوات ربما نعيش ذروتها الآن، لا حدود ولا خطوط حمراء أو زرقاء أو خضراء لإسرائيل بالقوة ستحقق أهدافها، إسرائيل الكبرى لا دولة قوية في المنطقة "إسرائيل تهيمن والأخرون يخضعون"، وحتماً عند السقوط الأمريكي ستلفظها كعبئ استراتيجي عن كاهلها، لاسيما بعد أن أصبحت إسرائيل منبوذة اقليمياً وعالمياً بعد حرب غزة، التشدد الإسرائيلي والدعم اللامتناهي لإسرائيل يثير انقسامات في الداخل الأمريكي، أول الرقص حنجلة!!، عندما أمريكا تغير سياستها تتحول المعادلة الداخلية بإسرائيل.
إسرائيل التركة البريطانية للشعب الفلسطيني بدأ بالوعد وانتهى بالاعتراف وشتان بين الاثنين!!، بالمقاربة بين الماضي والحاضر، بين وعد ارثر جيمس بلفور وزير الخارجية البريطاني بإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين عام 1917، واعتراف كير ستايمر رئيس الوزراء البريطاني بالدولة الفلسطينية عام 2025، بالماضي كان الوفاء بوعد بلفور من بريطانيا الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس مهد الثورة الصناعية ومصنع العالم لأكثر من قرن، والقوة العالمية الأولى سيطرت على التجارة العالمية وهيمنت على اقتصاديات العديد من مناطق العالم نهبت ثروات وموارد الشعوب، قتل ومجازر ومجاعات ومعسكرات الاعتقال لملايين المدنيين الأبرياء، وما تزال مأساة الشعب الفلسطيني شاهد على وحشية الانتداب البريطاني الذي شجع هجرة اليهود إلى فلسطين وامتلاكهم الأراضي الفلسطينية وبنى لهم مستوطنات ومستعمرات، وما زالت بريطانيا تحتضن إسرائيل وترعاها إلى الآن.
الحاضر وفاء بريطانيا بالتعهد بالاعتراف بدولة فلسطينية، ولكن بريطانيا لم تعد كعهدها، غربت شمسها وتقلصت قوتها العسكرية والصناعية وأصبحت بريطانيا من أفقر الدول الغربية من حيث الرخاء والدخل القومي، وارتفاع مستوى التضخم إلى أكثر من 10% وهو أعلى مستوى تصل له بريطانيا منذ نصف قرن مما أدى إلى تدهور في مستويات المعيشة وارتفاع الأسعار وكلفة الحياة في جميع نواحيها وانكماش في سوق العقارات، وينذر صندوق النقد الدولي بصورة مظلمة للاقتصاد البريطاني مقارنة باقتصاديات منطقة اليورو المتأثر بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي لا تجري على أرض دولة بعينها وانما على أرض البلدان الأوربية كافة، ويتوقع الصندوق أن يصل الناتج الاجمالي البريطاني بنسبة 0,6% وركود قد يستمر طويلاً، بتدهور اقتصادها وعجزه تضاءلت قوتها على التأثير خارجياً والتحكم في حدود بلادها!، وقد يكون في هذه الأزمة جانباً جيداً اذ أدت إلى درجة من التواضع والذل لأمة كانت لعقود طويلة قوة عظمى ومنارة للازدهار، وبدت بريطانيا محصورة سياسياً بالولايات المتحدة الأمريكية كظلها.
بعد عامين من جرائم الحرب والإبادة النازية في غزة، أنين الأطفال القتلى والجوعى أيقظ ضمائرهم، فبدأت الأصوات تتعالى بالاعتراف بدولة فلسطينية، انقلاب في الرؤية الأوربية تجاه إسرائيل تنديد وتهديد بقطع العلاقات مالم توقف الحرب ولكنها لن تفعل!. ماهي الخطوات العملية التي قام بها المجتمع الدولي ضد إسرائيل هل فرض عقوبات جدية عليها؟!، ولو هناك نية أوربية لإيقاف الحرب ستفرض عقوبات اقتصادية وسياسية على نتنياهو كما فعلت ببوتن، وستفرض حظر على تصدير الأسلحة وتجميد اتفاقيات الشراكة والتعاون العسكري، اذن ما خطوة الاعتراف بدولة فلسطينية الا اجراء شكلي في اطار خلافهم السياسي مع ترمب، ومحاولة لإخفاء العجز الأوربي من مواجهة إسرائيل التي تغذت على الدعم الغربي الغير محدود، ورقة ضغط على إسرائيل أو ربما عقوبة لامتصاص الضغط الداخلي وتخفيف الاحراج أمام شعوبهم المنتفضة أمام مشاهد الجوع والقتل فالقضية أخلاقية وليست سياسية، ماذا سيفعل نتنياهو الذي توعد بتغيير الشرق الأوسط؟!، ربما يتوعد بإزالته وربما بإزالة العالم! ولكن ما نعلمه أن إسرائيل لن تكون كما قبلها، ألم يظهر نتنياهو عارياً أمام العالم حين غادرت الوفود عند بدء كلمته في الأمم المتحدة، لتؤكد أين هي إسرائيل وأين هي فلسطين في الضمير العالمي، الهولوكست الفلسطيني وضع التراجيديا الفلسطينية في الضوء فلابد أن يؤدي إلى ولادة دولة فلسطينية"، فهناك أمر واقع فرضه الوجود الفلسطيني، وعزز أمر واقع دولي بالاعتراف بدولة فلسطين، من فلسطين بدأ الصراع ومنها سينتهي.