بالرغم من أنها كانت 6 سنوات فقط ما بين هزيمة 1967 ونصر أكتوبر العظيم 73، فإنها مَرَّت كدهر طويل على جيل المصريين الذى اكتوى بها، ثم كان عليه خوض معركة مختلفة لـ6 سنوات أخرى، حتى أذعنت إسرائيل لوجوب انسحابها وإعادة سيناء كاملة. وقد عاش المصريون طوال هذه السنوات أصعب فترة فى تاريخهم الحديث، فبالتوازى مع البطولات الخارقة فى معركتى قتال الجنود على الجبهة، ومفاوضات أخرى مع السياسيين فى المعارك الشرسة، قدم الشعب المصرى أكبر تضحيات وأظهر طاقة أسطورية على تحمل أشدّ المصاعب، بعد أن هوى الشعور العام من حالِق إلى تحت الأرض فى هزيمة 1967، كان الغليان ظاهراً وأكثر منه مكتوماً، ولم تعرف مصر الراحة قط حتى تبدلت الأحوال بمجرد إعلان البيان الأول لحرب أكتوبر. وقد أفاض الكثيرون فى رصد الأزمات الطاحنة التى تحملها المصريون بقدرات أسطورية، أمام ندرة الاحتياجات الأساسية، وتدهور الخدمات والمرافق العامة..إلخ، وبرغم كل مشكلات ما قبل نصر أكتوبر، فلم تعرف مصر تظاهرات آنذاك سوى التى يقودها الشباب من عمال وطلاب بمطلب شعبى واحد يتعجل حرب تحرير سيناء، وبإلحاح مدوٍ لقبول تطوعهم للحرب.
وكانت هناك واحدة من أصعب الأزمات لم يعرفها من عاشوا عقودا ما قبل هزيمة 1967، ولا أبناء هذه الأيام، فى أزمات المرور طوال ما بين الهزيمة وما بعد الانتصار، عندما عانت مصر أبطأ حركة سير عرفها جيل من أبنائها، إلى حد الانتظار الإجبارى فى بعض إشارات المرور لقرب الساعة، حيث تصطف الأوتوبيسات العامة مع التاكسيات والسيارات الملاكى وعربات الكارو والدراجات الهوائية والنارية..إلخ، ثم يتحرك الموكب الهائل أمتاراً قليلة، ويُضْطَر بعدها للتوقف فى الإشارة التالية! لذلك، فإن من عاشوا تلك الأيام يُقَدِّرُون أكثر من غيرهم أهمية الإنجازات الضخمة فى السنوات القليلة الماضية فى الكبارى والأنفاق والمترو..إلخ، حتى لو كانت حساباتهم محصورة فى المنفعة المباشرة للافراد، وحتى لو غابت عنهم المصالح العامة الكبرى فى مكاسب نشاطات البيزنس، والتسهيلات الكبرى للقوات المسلحة، حتى قال الخبراء إن الوصول بين أبعد نقطتين فى البلاد صار لا يتعدى 6 ساعات.
*نقلاً عن "الأهرام".