
قبل عامٍ بالضبط، انتهى الصدام على الحدود الشمالية مع "حزب الله" فيما بدا ضربة قاضية حاسمة.
لقد هُزم "حزب الله"، وخسر قادته وكبار مسؤوليه العسكريين، وفي مقدمتهم حسن نصر الله، كذلك فقد جزءاً كبيراً من قدراته العسكرية.
آنذاك، بدا أنه لن تقوم له قيامة من جديد. وفي لبنان، انتُخب رئيس جديد وشُكلت حكومة أعلنت التزامها تجريد الحزب من سلاحه، ولم يبقَ أمام الإدارة الأميركية – المتفائلة والمنفصلة عن الواقع، كعادتها – سوى أن تؤكد أن التوصل إلى اتفاق سلام لبناني – إسرائيلي أصبح مسألة وقت فحسب.
إلّا إن الحروب بين إسرائيل والعرب لا تعرف انتصارات حاسمة، أو هزيمة نهائية؛ فنحن نهزم جيش العدو، ثم نكتشف بعد أيام من إعلان وقف إطلاق النار أنه ما زال حياً، ويقاوم.
هذا ما حدث بعد الانتصارات الكبرى في حرب 1948، وفي عملية قادش في سيناء، وكذلك بعد حرب "الأيام الستة"، حين استأنف المصريون والسوريون القتال بعد أيام قليلة على هزيمتهم.
وفي الحرب الحالية، يعيد التاريخ نفسه: فإيران تعيد بناء قدراتها وتستعد لجولة قادمة، و"حماس" ما زالت الحاكم المطلق في قطاع غزة. غير أن لبنان يبدو حالة فريدة من الإخفاق الكبير، فإسرائيل لم تتعرض لأيّ ضغط لوقف ضرباتها ضد "حزب الله"، ومع ذلك بادرت هي نفسها إلى الموافقة على اتفاق هشّ ومشكوك فيه، كان الجميع يعلم مسبقاً أن الحزب لن يلتزم بنوده.
كنا نعلم ذلك، وعلى الرغم من ذلك، فإننا وافقنا، على أمل أن "حزب الله" – وهو تنظيم شيعي راديكالي، يقوم جوهر وجوده على محاربة إسرائيل – سيتصرف هذه المرة مثل "الابن الصالح" ويتخلى عن سلاحه. كذلك عوّلنا على الدولة اللبنانية، التي وصفها المبعوث الأميركي، توم براك، قبل أسبوع، وبحق، بأنها دولة فاشلة وغير فعالة، أن تُرسل جيشها لمواجهة "حزب الله"، مع أن الحزب أقوى وأشدّ عزماً من الجيش اللبناني بعشرات المرات.
وهكذا، بعد عامٍ على "النصر الكبير في لبنان" ، يتبين أن شيئاً لم يتغير، وأن إنجازات الحرب تتآكل.
صحيح أن "حزب الله" يحافظ على مستوى منخفض من النشاط، ويمتنع من مهاجمة إسرائيل، أو حتى الرد على ضرباتها، لكنه يفعل ذلك، ليس لأنه أصبح "محباً لصهيون"، بل بدافعٍ باردٍ وواعٍ: فهذه هي اللحظة المناسبة لخفض الرأس حتى تمرّ العاصفة وانتظار الفرصة القادمة، تماماً مثلما تفعل "حماس".
وفي هذه الأثناء، يعيد الحزب بناء قوته، ويحافظ على التأييد الشعبي داخل الطائفة الشيعية في لبنان، بل وجد طرقاً جديدة لتهريب السلاح من إيران، بعد أن فقد بعض قنواته السابقة عقب سقوط نظام بشار الأسد.
لا يتحدث "حزب الله" كثيراً، لكنه يصرّ، بوضوح، على أنه لن يتخلى عن سلاحه، وأن "المقاومة" هي خياره الاستراتيجي.
أمام هذه الحقيقة تقف إسرائيل مكتوفة الأيدي، ويبدو أن هناك في داخلها مَن يحن إلى فترة "المعركة بين الحروب"، والتي نفّذت خلالها إسرائيل عمليات محدودة وناجحة لم تغيّر في الواقع شيئاً جوهرياً.
صحيح أن إسرائيل تتباهى بحُرية العمل التي تتمتع بها في لبنان، وبالضربات التي تنفّذها ضد عناصر "حزب الله" الصغار، غير أن هذه العمليات تبدو موجهة إلى الرأي العام ووسائل الإعلام، أكثر مما هي موجهة إلى إلحاق ضرر فعلي بالحزب. فهل هناك، فعلاً مَن يظن أن "حزب الله"، الذي لديه عشرات الآلاف من المقاتلين، سيرفع الراية البيضاء لأننا قتلنا 300 من أفراده خلال العام الماضي؟
لقد خفض "حزب الله" صوته، ولم نعد نسمع منه التهديدات الصاخبة التي كانت في الماضي تقضّ مضاجع صنّاع القرار في إسرائيل، لكنه لا يزال يصرّ، وبشكل واضح، على أنه لن يسلّم سلاحه، وأن "المقاومة" تبقى خياره الاستراتيجي.
يخطط "حزب الله" بعقلية بعيدة المدى، ولذلك فإن هذا الهدوء الخادع على الحدود الشمالية يمكن أن يستمر طويلاً، لكن السؤال ليس عمّا إذا كان الحزب سيجدد هجماته ضدنا، بل متى سيحدث ذلك.
أمام هذا الواقع، من الواجب والمستحب أن تتحرك إسرائيل بحزمٍ أكبر لإحباط الخطر الذي يزداد من الشمال، وإن لم تفعل فعليها على الأقل أن تراقب "حزب الله" بعينٍ يقِظة كي لا تُفاجأ مرة أُخرى. فالعدّ التنازلي نحو مواجهة جديدة على الحدود اللبنانية بدأ بشكل فعلي.
عن "إسرائيل اليوم"