تقارب اليسار والإخوان: أزمة فكرية أم ماذا؟

 

 

 

لطالما لفت نظري شبان اليسار الفلسطيني الذين كانوا أبرز المشاركين في المظاهرات التي كانت تخرج في الضفة الغربية منذ بدء الإبادة الجماعية المستمرة منذ سنتين ضد شعبنا الفلسطيني والتي كانت أكثر وحشية ودموية في قطاع غزة. لم يكن ذلك لكونهم الأكثر حماسة فقط، بل لأن خطابهم وهتافاتهم لا تختلف عن الفصائل الإسلامية الفلسطينية، فلا تكاد تميز اليساري من الإخواني إلا من بعض القشور الخارجية مثل الكوفية الحمراء.

هذا التقارب بين الإخوان المسلمين واليسار ليس حديثا، فقد بدأ منذ عقود ليس في فلسطين وحدها بل في الوطن العربي كله، لكن هذه الإبادة كشفت ما هو أكثر من تقارب بين تيارين يبدوان ولو ظاهريا أنهما على نقيض، فمن مصطلحات الإسلام السياسي التي تسربت لخطاب اليسار مثل "الجهاد ومحور المقاومة" يستخدم الإسلام السياسي مصطلحات مثل العالم الحر، وأحرار العالم، لا وبل وصل الأمر لأن تدعو حركة حماس بمناسبة الأول من أيار 2025عمال العالم والنقابات المهنية لنصرة القضية الفلسطينية والمطالبة بوقف الإبادة الجماعية! لكن عند التعمق في خطاب حركات الإسلام السياسي لا تبدو هذه المصطلحات سوى "عملية تجميل" لا تتجاوز نطاق البيانات والتصريحات تستخدمها لتسويق نفسها على أنها حركات سياسية "مودرن" تواكب العصر وتصلح لخوض الحياة السياسية كما غيرها، وتدفع بها عن نفسها تهما طالما وجهت لها مثل الرجعية والعنف. بينما يبدو الأمر أكثر عمقا وجدية لدى اليسار، فقد تمترس اليسار بقياداته وكوادره وخطابه خلف حركة حماس وأصبحوا من أبرز المدافعين عن الحركة وما يصدر عنها، لدرجة تحول فيها اليساري من حيث يدري أو لا إلى " إخونجي وظيفي" يقوم بوظيفة الإخوان ويسهم في إنجاح مشروعهم. يبقى السؤال الذي يفرض نفسه هنا كيف لفكر يعتبر الدين أفيون الشعوب، أن يقبل بلعب دور إشهاري لمشروع يستند "لتخدير الشعوب بهذا الأفيون" وبالماضي المجيد الذي لا ضير في خسران مجتمع بحاله في سبيل إعادة إحياءه من جديد؟

يبرر اليسار تقاربه هذا بدعوى أن الجميع يجب أن يلتف الآن حول من يمثل" المقاومة" لأن هذه معركة تحرر وطني ولندع خلافاتنا جانبا إلى حين التحرير والنصر، وينسى أو يتناسى أن مشروع الإخوان المسلمين لا يمكن أن ينبثق منه دولة قوية ولا وطن حر، وليس أبلغ من مقولة سيد قطب للتعبير عن مفهوم الوطن في فكر الإخوان: "ليس الوطن إلا حفنة تراب عفن".  وإن كان ماركس يرفض الرأسمالية لأنها تقوم بتحويل الأشخاص إلى مجرد أدوات للإنتاج فإن فكر الإخوان لا يكترث لمفهوم المجتمع والعدالة الاجتماعية من أساسه بل يعتبر الشعب كله ليس إلا أداة للوصول إلى السلطة، والعدالة ليست إلا العدالة الإلهية التي ينصب نفسه ممثلا وحيدا لها. إن الاختلافات الجوهرية بين أيديولوجيا الإخوان المسلمين وأيديولوجيا الماركسية تفترض أن مبررات العدو المشترك والقضية العادلة لا تصلح لتفسير هذا التقارب الذي يصل في بعض الأحيان إلى تماه أصبحت الاختلافات فيه لا تتجاوز حد المسميات، فاليساري يلقب نفسه بأبي جيفارا وأبي وطن وينادي زميله في الحزب ب "رفيق" بينما الإخونجي الصريح أبي حذيفة وأبي دجانة وينادي زميله الآخر ب "الأخ". ورغم التأثيرات المتبادلة بين اليسار حركات الإسلام السياسي، فقد كان الأخير هو المستفيد من هذا التقارب، فبعد سعي الإخوان منذ نشأتهم إلى شيطنة اليسار، نجحوا في ترويض المارد اليساري الذي وجد أصلا من أجل الشعوب حريتها وكرامتها، خدمة لمشروعه الذي يسعى لخلق مزيد من الأزمات والصراعات التي تطحن الشعوب، ليلعب هو دور المخلص الذي اختاره الله لإنقاذها من ورطتها.

إن هذا التقارب لن يدفع ثمنه اليسار وحده وحسب، هذا دون إغفال لمسئولية جميع الفصائل دون استثناء التي انكمش دورها إلى مدافع عن حماس أو من يحملها المسئولية كاملة في تجاهل تام لمسئولية الجميع فيما يجري للشعب الفلسطيني، بل سيكون ثمنه باهظا أيضا على القضية الفلسطينية وعلى وجودنا على ما تبقى من أرضنا الذي أصبح مستهدفا ومهددا أكثر من أي وقت مضى.

 

 

 

Loading...