
الآن يتم رسم خارطة جيوسياسية بين الأقطاب الثلاثة الأمريكي والصيني والروسي وملامح لنظام عالمي جديد رغم أن روسيا لا تستطيع أن تتعدى دورها كقوة اقليمية مؤثرة، النظام الجديد لن يقوم على أنقاض النظام الذي يحتضر فما زالت أمريكا وحلف الناتو قوة لا يستهان بها، كل ما في الأمر هو زوال القطبية الأحادية المتحكمة في الملفات والصراعات هكذا تقول الاستراتيجية الأمريكية لا أحد في قيادة العالم سواها، وبروز عالم متعدد الأقطاب عسكرياً واقتصادياً وتكنولوجياً وظهور تكتلات اقليمية فالعالم لم يعد ممكناً أن يقوده وحيد قطب، وسيظل التعاون الدولي قائماً برغم التوترات بين الدول لإرساء الاستقرار الدولي، وبالرغم من أن نظرة الأقطاب المتنافسة لمعظم أزمات العالم مختلفة تماماً، الحرب في أوكرانيا والفوضى في الشرق الأوسط والتوتر في بحر الصين وتايوان والاقتتال والمجاعات في افريقيا والاقتصاد العالمي المتأزم، ولكن من الواضح في المرحلة الحالية التقاطع في المصالح بين اللاعبين الأساسيين أكثر مما كان في السابق وتفوق خلافاتهما بكثير وبالتالي خسارة أي طرف تتبعه خسارة للأخر، وانطلاقاً منها ستكون هناك خطوط حمراء متفق عليها لا يجب تجاوزها في قواعد اللعبة بين الدول العظمى وفي العلاقات بينهم لضبط ايقاع الأزمات الحالية ومنعها من الانزلاق لحرب عالمية ثالثة ستكون حتماً نهاية العالم، "فإنهم يتحملون مسؤولية كبيرة أمام العالم والتاريخ".
العالم الذي حاولت أمريكا صياغته في السبعينيات ينهار فمشاريعها الاستراتيجية الكبرى كانت الانفتاح على الصين والتهدئة مع روسيا واليوم نشهد صراع حاد بين أمريكا من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى في كل الجبهات المفتوحة، والنظام الدولي الذي صنع إسرائيل بدأ يتفكك ويضعف وبدأت إسرائيل تستشعر القلق الوجودي من اعادة هيكلة النظام الدولي فهي أحد مفرزاته ستزول بزواله، والهاجس الأمريكي بدا واضحاً في محاولة انتشال إسرائيل من بين الأنقاض، فحرب غزة فرضت واقعاً جديداً صاغه الغضب الشعبي والرسمي ضد جرائم إسرائيل في غزة وبدعم مطلق من أمريكا، وأربك المخططات الإسرائيلية السياسية والديموغرافية والاقتصادية رغم الآلام والدمار والتشرد وأثبت عجز الجيش الإسرائيلي وعجز الادارة الأمريكية في توفير شبكة أمان دولية تستند اليها إسرائيل في حروبها!!. وبالوقت ذاته أصبحت إسرائيل مهددة للأمن القومي لدول المنطقة التي بدأت تستشعر القلق الوجودي أيضاً، لم تكن إسرائيل خطراً على الأمن القومي التركي لا بل كانوا حلفاء وليست غزة السبب الموضوع أكبر منها ومشروع الخلافة العثمانية بمواجهة إسرائيل الكبرى والتنافس الاقليمي في سوريا والسودان وليبيا والبحر الأحمر، اليوم إسرائيل خطر على إيران بسبب ترسانتها النووية، وعلى السودان ومصر والأردن وقطر واليمن ولبنان وكل الدول العربية بلا استثناء، المشهد في ذروة الضبابية والانفجار فلابد من صحوة وإن تأخرت لا ضير عندما نرى أن منطقتنا بدت تستشعر القلق وبدأت تشكل تحالفات لإدراكها خطر المشروع الصهيوني على أمنها القومي وليست فقط على فلسطين وما أدراك بإسرائيل الكبرى، لا بل إسرائيل العظمى!!، فأصبح الإسرائيليون متورطون بدولة معزولة دولياً مستقبلها مليء بالنزاعات مع جيرانها رغم محاولة ترمب احياء الاتفاقات الابراهيمية والسعودية الهدف الآن، لقاء لا شيء تقدمه إسرائيل على الصعيد السياسي، فمن يحيي الموتى وفمن ينقذ إسرائيل من نتنياهو ومن الوحول اللاهوتيه التي تغرق بها في غزة ؟؟؟.
نتنياهو يقول "لقد بدأنا التغيير في الشرق الأوسط" وانتصرت إسرائيل!! وكأن ساعة التغيير قد بدأت فعلاً، فالحرب في غزة دخلت مرحلة الانكفاء وانتقلت إلى مرحلة أخرى "لا حرباً، ولكنه ليس سلام" تنذر بأصداء نكسة جديدة أو ربما حرب مفتوحة لها حسابات كبرى أخطر من الحرب المباشرة على الشعب الفلسطيني التي لم تحقق سوى الدمار والدم، وإسرائيل حصلت على ما تتمناه لا دولة فلسطينية لا بالحاضر ولا بالمستقبل، فخطة ترمب قسمت قطاع غزة فأصبح قطاعين بحدود خضراء وأخرى حدود حمراء بفاصل هو الخط الأصفر خريطة جديدة للقطاع بألوان جميلة، أكثر من نصف مساحة غزة وهي الخضراء المطلة على البحر حيث الثروات الكبرى لإسرائيل وللقوات الدولية والحاكم العسكري توني بلير تمهيداً لإعادة الاعمار فمخطط الريفيرا جاهزاً من سنوات!!، والحدود الحمراء المدمرة بالكامل لحماس لا منافذ لها ولن يكون فيها اعادة اعمار!! ومن السهل ضمها بالمستقبل بسياسة القضم والهضم، لا سلاح لحماس ولا سلاح لحزب الله فترسانة حزب الله هي الحالة الأكثر خطورة على الدولة العبرية وتفجير الجبهة اللبنانية قد حان، تم احتواء سوريا وستحارب حماس وحزب الله والارهاب، لا مقاومة، وإسرائيل لن تتوقف عن سياسة القتل سواء كان هناك مقاومة أو بدونها، وغزة جائعة ومنهكة, فأي عجز ينتابنا ونحن نعيش أسوأ مراحلنا ولا أحد يهتم لدمائنا وأطفالنا ومستقبلنا، ماذا تبقى منا؟! لا شيء، فمنذ ألف سنة مات فينا الزمن حالة انحدار شديد لا دولة قوية لا بل ليس هناك أي دولة، كيف ودولة إسرائيل الكبرى باتت بمراحلها الأخيرة.
زيارات مكوكية لوفود أمريكية رفيعة المستوى إلى إسرائيل تثير الجدل فليس من المتوقع أن تلتزم إسرائيل بما تتمناه عليها أمريكا، ونتنياهو لا يعنيه سلام ترمب ولن يسمح بدخول قوات دولية وخاصة تركية، كيف نتصور أنه ليس باستطاعة أمريكا الضغط على نتنياهو لتنفيذ الخطة وهو الذي ينفذ الاستراتيجية الأمريكية حول الشرق الأوسط الجديد؟؟، اتفاق غزة يسير على طريق مليء بالمطبات وممكن ينهار بـأي لحظة، وفي حال انهيار خطة ترمب ستفتح أبوب النار والدم لتغيير المسارات التاريخية والاستراتيجية قد تبدو حرباً اقليمية أو حرباً على الارهاب ولكنها هي امتداد لحرب الطاقة والمعابر الدولية، وتنفيذ خريطة الممر البحري الذي ينظف غزة من البشر والحجر ثم لبنان والقادم أعظم وأبعد من ذلك.
أمريكا تقضم وتهضم ولا يحق لأحد مخالفتها ومن يجرؤ أليس الزمن الأمريكي والوصاية الأمريكية أخيراً!!،تم ترتيب المنطقة كلها كما كان يُخطط لها وأمريكا باتت المهيمن اقتصادياً وسياسياً على الشرق الأوسط، أقامت قواعد أمريكية جديدة للإشراف على مصالحها بنفسها فإسرائيل في خطر وأمريكا تريد انقاذها خاصة أن المأزق الإسرائيلي السياسي والعسكري يزداد حدة يوماً بعد يوم، وإسرائيل اذا شعرت بأنها في خطر وجودي حقيقي على دولتها ستقوم بابتزاز أمريكا والغرب وستهدد بالقوة النووية كما حال شمشون، وقد أعد ترمب العدة لخطة سلام على مقاسه ربما لتدارك تفجير المنطقة ونزع فتيل الأزمة وما يترتب عنه من تداعيات كارثية على الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط والذي يبدو في الوقت الحاضر ضرورة استراتيجية بالغة الأهمية في الصراع العالمي، فالاستشعار بالقلق الوجودي ينتاب الجميع!!