ترمب ونتنياهو في الحرب والسلام

الرئيس ترمب مفتونٌ بنفسه، فهو أكثر رئيسٍ عرفته البشرية يتحدث عن انجازاتٍ حققها، لمجرد أنه وضع يده في قضاياها.

ودون إنكار دوره في خفض وتيرة القتل والتدمير في غزة ولبنان، إلا أن ما فعله فيهما حتى الآن وفق التقويم الموضوعي، هو مجرد خطواتٍ محدودةٍ على طريقٍ طويلٍ مليءٍ بالحفر والألغام.

غزة وجنوب لبنان هما صفحتان من ملفٍ ضخم، عنوانه قضايا الشرق الأوسط، وهذا ما ينقص الرئيس ترمب تحديده والتعامل معه بالدقة المطلوبة.

من حق الرئيس ترمب أن يفتتن بنفسه وأن يراوده حلم دخول التاريخ بتحقيقه معجزة السلام العالمي الشامل، فهذا شأنه كرجلٍ يخاطب العالم من موقعه كرئيسٍ لأقوى دولةٍ في العالم، بما يوفر له ذلك من مساحاتٍ واسعةٍ في النفوذ الكوني.

غير أن نظرةً موضوعيةً لحال العالم في عهد الرئيس ترمب ووعوده وأداءه في السنة الأولى من ولايته الثانية، فالمراقب يرى أن الحروب الجدية وأهمها حرب إسرائيل على غزة ولبنان، وامتدادهما في الشرق الأوسط، وكذلك حرب أوكرانيا وروسيا وتأثيراتها على أوروبا ودول العالم، وحرب التنافس التجاري التي تهدأ يوماً وتشتعل أياماً بفعل مزاج الرئيس وارتجالاته.. هذه الحالة تؤكد أن الحروب في كل مكانٍ وعلى أي مستوىً لم تتوقف، وأن احتمالات تجددها على نطاقٍ أوسع ما تزال قائمة، وفي شرقنا الأوسط وهذا ما يهمنا أولاً وقبل كل شيء، فإن مفارقةً ربما يكون الرئيس ترمب انتبه إليها ولكنه لم يجد وسيلةً فعّالةً لمعالجتها، وهي أن التحدي الأكبر لتطلعاته في تحقيق السلام الشامل في الشرق الأوسط، يأتي من جانب حليفه القديم والمستمر بنيامين نتنياهو، الذي لم يبقَ على ترمب سوى تأليف قصائد في الثناء على عبقريته! ومن أجله تجاوز كل الاعتبارات وطلب من الرئيس الإسرائيلي اصدار عفوٍ عنه كي يتسنى له مواصلة العمل معه لتغيير صورة الشرق الأوسط والعالم!

نتنياهو عرف كيف يتعامل مع نزوات ترمب بالثناء عليه وعلى إنجازاته التي لم تتحقق.

وهذه وقائع ذات دلالات واضحة..

بينما يحتفل ترمب بما اعتبره انجاز السلام القوي في الشرق الأوسط، بإشرافه الشخصي على قيادته، يرتكب نتنياهو مذبحةً دون ذريعةٍ في غزة، وهي الثانية بعد مذبحة خانيونس، وما بين المذبحتين إطلاق نارٍ يومي على أهدافٍ منتقاة يعلن نتنياهو من خلالها، بأن حربه لم تتوقف وأن استئنافها ليس بيد ترمب وإنما بيده شخصياً.

واقعةٌ أخرى.. كثيرون انتبهوا إلى إفشال المحادثات الأمنية بين إسرائيل ونظام دمشق، التي تزامنت مع زيارة الشرع لواشنطن، ليزيد نتنياهو عليها بالزيارة الاستعراضية التي أدّاها مع أقطاب وزارة الحرب للأجزاء المحتلة من الأراضي السورية، وما صدر عنها من تصريحاتٍ تقول بأن ما تم التوسع في احتلاله بما في ذلك البقاء على قمة جبل الشيخ سيكون دائماً، ومن ضمن مهامه الدفاع عن ما وصفه "بحلفائنا الدروز".

كل هذا سواءٌ تم بالتوافق أو التواطئ أو التحدي إلا أن ما يجري لا يوفر أي قدرٍ من الصدقية لوعود ترمب حول السلام النادر الذي حققه ووصفه بالقوي في الشرق الأوسط، فلا صدقية لقولٍ كهذا على الأقل ما دام نتنياهو شريكه وأداته.

 

Loading...