الانتداب الأمريكي أو المذبحة... كلاهما مر

جنود أمريكيون في قاعدة التنف أقصى جنوب شرقي محافظة حمص

خرائط رسمها البريطانيين والفرنسيين وبعد قرن أمريكا تريد الرسم من جديد، خرائط أمنية تستدعيها حاجة إسرائيل بالبقاء والوجود، عند سقوط بريطانيا العظمى منحت الولايات المتحدة الأمريكية صلاحية إدارة شؤون مستعمراتها، فكانت الوصاية الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط، والنتيجة كانت ضياع فلسطين والنكبة وإقامة دولة إسرائيل، وأمريكا يجب أن تكون حاضرة بكل أزماتنا التي صنعتها، فأمريكا هي الداء والدواء.

بعد الحرب العراقية الإيرانية وبعد غزو العراق للكويت عادت أمريكا بقوة إلى المنطقة كحارس أمني، وبعد هجمات سبتمبر شنت حروب في أفغانستان والعراق لمحاربة الارهاب وأنشأت قواعد عسكرية بشكل مكثف وخاصة منطقة الخليج، بدأ الترويج للشرق الأوسط الجديد فبدأت الخطوة الأولى من العراق فتم تدميره واحتلاله، تلته سوريا فدخلت أمريكا إليها بعد الثورة السورية وأنشأت قواعد عسكرية في شرق الفرات والتنف بحجة محاربة تنظيم داعش، والآن قاعدة عسكرية في دمشق ليس لبقاء سوريا موحدة بل جاء لاستكمال بناء الشرق الأوسط الجديد والذي تبناه نتنياهو، لبنان يجهز لنفس الخطة ليتم استكمال الحزام الأمني حول إسرائيل، اذن حزام حول لبنان وسوريا وحزام حول غزة وبذلك تكون قد أمنت كل الحدود البرية لإسرائيل، وأخيراً السودان بطلب سعودي لفرض الوصاية الأمريكية، اللاعب واحد هو الأمريكي ليس كحكم محايد انما كمهندس أمني للمنطقة قد لا نرغب ولكننا مضطرون أن نعيش هذه المرحلة التاريخية الصعبة من حياتنا، تحت الانتداب الأمريكي أخيراً!!.

بكل الحروب كانت تسعى إسرائيل لحصار الشعب الفلسطيني وفصله عن محيطه وعن أي تلاقي حدودي مع أي دولة عربية، بحرب 48 سيطرت إسرائيل على الحدود مع سوريا ولبنان، وحرب67 فصلت الضفة عن الأردن، وأخر فصل تم بعد حرب غزة بالسيطرة على معبر رفح وبمجلس ترمب العسكري والخريطة الجديدة الملونة لقطاع غزة وبالحدود الخضراء لن تكون هناك حدود لغزة مع مصر.

السنة الثالثة لحرب نتنياهو على غزة لم تستطيع تغيير الواقع أو تحقيق الأهداف لا شيء سوى القتل والتدمير والتجويع والإبادة أمام العالم الذي لم يحرك ساكناً لإيقافها، فشل خطة التهجير القسري لسكان الضفة للأردن وسكان غزة لمصر لإتمام مشروع ممر داوود الذي يربط البحر الأبيض بالبحر الأحمر للسيطرة على الشرق الأوسط، فإسرائيل دولة فاشلة، تدخل ترمب رجل السلام "أنا هنا لأضمن أمن إسرائيل"، ترمب الوحيد الذي فرض وقف اطلاق النار وتحرير الرهائن، خطة ترمب للسلام قراءة جديدة للحرب بالشرق الأوسط فمن وجهة نظر ترمب إسرائيل صغيرة ويجب أن تتسع أكثر فكيف يكبرها، ولو لمحت بصورة فضفاضة بإمكانية القبول بمسار تقرير المصير وقيام دولة فلسطينية وهو ما يرفضه نتنياهو جملة وتفصيلاً، ويتعارض مع الرؤية التوراتية!! 

مجلس الأمن أقر مشروع ترمب للسلام في غزة بعد موافقة دول عربية واسلامية مع امتناع روسيا والصين، وما حاجة ترمب إلى تفويض دولي وهو لا يعترف بالأمم المتحدة "منظمة لم تعد لها قيمة" ولكن بهد أن منحت خطته الغطاء الشرعي فالمنظمة الآن اصبحت ذات أهمية!! ما هو مقدم بهذا المشروع هو الحد الأدنى لوقف الحرب وارساء السلام الترمبي فأمريكا هي صاحبة القرار بالنسبة للتطورات بغزة بدون شك وهي الوحيدة القادرة على التأثير على إسرائيل وبالتالي كان هناك توافق بأغلبية ساحقة، لم يكن القرار المثالي فعليه الكثير من التحفظات ولكن السؤال ما هو البديل؟؟ والوضع لا يحتمل افشال القرار والا فالعواقب تكون وخيمة!! ورائه تهديد أمريكي في حال الفشل وعودة غزة إلى الحرب والتدمير والمذبحة.

القرار الأممي جاء للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاقية وقف إطلاق النار رغم معارضة نتنياهو وغوغائية اليمين المتطرف وبداية نهاية حكم حماس ولذلك رفضت حماس هذا القرار، الخطة باختصار بثلاث جمل قوة دولية، مجلس سلام، حدود ملونة!! هناك ضبابية حول نشر القوات الدولية فهناك عراقيل لا تسمح بالتطبيق الفعلي لهذا القرار، الدور المعتاد لهذه القوات الفصل بين المتحاربين، ولأول مرة يكون هناك قوة دولية لنزع سلاح أحد أطراف الصراع نصرة للطرف الأخر، وتحويلها إلى قوة احتلال بديلة لقوة الاحتلال الإسرائيلي عندها يتحقق ما فشلت به إسرائيل بالقضاء على حماس والمقاومة، مجلس عسكري يترأسه ترمب بالمنطقة الخضراء وهي تحت سيطرة اسرائيل محمية بالقوات الدولية تحت العلم الأمريكي هو الانتداب بعينه مطلة على البحر تسيطر على الطرق البحرية والمعابر وتتحكم بالدخول والخروج، وباقي غزة ل 2 مليون من السكان مرتبط بنزع سلاح حماس فتكون بمواجهة القوات الدولية يعني اللي ما استطاعت اسرائيل تحقيقه تفعله بمجلس السلام، تحكمها قوات أمن مدربة من السلطة الفلسطينية  في مصر وتركيا مرضي عنها.

بالنهاية إنها أمريكا وما أدراك ما أمريكا!! تدعم إسرائيل بكل ما أتيت من قوة ثم تطرح نفسها كوسيط سلام، ونحن نرحب بهذا توم باراك لا يرانا  شعوب فنحن قبائل لا تستحق الحياة وقد أصاب، مناطق أمنية لصالح إسرائيل وتحت اشرافها جنوب سوريا منزوع السلاح ونتنياهو يتجول فيه وجنوب لبنان منطقة عازلة وغزة ستبقى تحت الركام والدمار، مستقبل غزة والضفة ما يزال مجهولاً، لا دولة فلسطينية والعودة إلى سيناريو اوسلو التي كان يجري الحديث فيها عن اقامة دولة فلسطينية خلال 5 سنوات والتي لم تأتي بعد مرور 30 سنة عليه، وأي سلام مادام نتنياهو وما دامت إسرائيل في الشرق الأوسط في غزة والجولان ولبنان والسودان يؤكدان لا سلام قادم ولا تطبيع بل حرب على كل الجبهات، وإلى لقاء مع خطة سلام ترامبية تجهز لأوكرانيا لتكون تحت الانتداب الأمريكي أو المذبحة!!

 

Loading...