مقالات مختارة

المكونات الثلاثة الأساسية لقوة "حزب الله".. | يوسي منشروف

 

 

 

تُظهر التوترات الحالية بين إسرائيل و»حزب الله» الحاجة إلى صوغ استراتيجية شاملة تعالج التحدي والتهديد اللذين يشكلهما التنظيم على إسرائيل. إن اغتيال رئيس أركان «حزب الله»، هيثم علي طبطبائي، وردّ الحزب - أياً يكن شكله - سينعكسان في مسار الصراع، لكن القضية أبعد من ذلك كثيراً. فمن أجل بناء استراتيجية فاعلة، يجب فهم ثلاثة مكونات أساسية تشكل الحمض النووي لـ»حزب الله»، ولا تقتصر على السلاح - وهو محور وجوده - بل أيضاً تشمل منظومة الدعوة الواسعة لديه، التي تشمل خدمات الرعاية والصحة والمال والإعلام والتعليم، والتي تبقي الطائفة الشيعية في لبنان معتمدة عليه، فالشيعة هم بالنسبة إلى «حزب الله» بمنزلة الأكسجين للرئتين، إذ يمثلون المخزون البشري للقتال، وقاعدته الانتخابية في السياسة اللبنانية. أمّا المكون الثالث، فهو العلاقة مع النظام الإيراني، الذي يوفر المظلة الاقتصادية والدينية والأيديولوجية والعسكرية التي تُعد رافعة أساسية لقوة «حزب الله».

تأهيل الجيل الشيعي الشاب
لهذا السبب يركز «حزب الله» على مواصلة تأهيل الجيل الشاب وتعزيز ارتباطه به؛ ففي 12 تشرين الأول نُظم احتفال كبير في المدينة الرياضية في بيروت بمشاركة أعضاء حركة كشافة الإمام المهدي، وهي جزء محوري من منظومة الدعوة التابعة لـ»حزب الله». وقد تأسست هذه الجمعية سنة 1985 بدعم من الحرس الثوري الإيراني، وقد أقيمَ الاحتفال بمناسبة مرور 40 عاماً على تأسيسها، كما خُصصت للاختتام سلسلة فعاليات في ذكرى مرور عام على اغتيال حسن نصر الله وخليفته هاشم صفي الدين. وحمل الحفل شعار «أجيال السيد»، في إشارة إلى استمرار إرث نصر الله. وبحسب رئيس الجمعية، نزيه فياض، فقد شارك في الفعالية نحو 75,000 عضو، ووُضعت وسط الملعب صورة عملاقة لنصر الله.
ويتربى أفراد كشافة الإمام المهدي منذ سن التاسعة على الولاء لمرشد الثورة الإيرانية، علي خامنئي، وعلى قيم «حزب الله»، ويتلقون تدريباً فكرياً وجسدياً، ويشاركون في بعض الأحيان في نشاطات الجناح العسكري منذ سن الخامسة عشرة. وقد أظهرت وثائق استولى عليها الجيش الإسرائيلي في حرب لبنان الثانية (حرب تموز 2006) أن برامج الكشافة تهدف إلى غرس مبادئ الثورة الإسلامية والكراهية ضد إسرائيل في نفوس الأطفال.
استراتيجية قصيرة المدى في مقابل استراتيجية طويلة المدى
في المقابل، تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل لتحقيق إنجازات ضد «حزب الله» على المدى القصير، وبالتالي، حتى لو تجاوزت إسرائيل التوتر الحالي بعد اغتيال طبطبائي واستأنفت الهجمات اليومية فسيظل تعاملها مع التهديد جزئياً فقط؛ فـ»حزب الله» سيواصل تهريب السلاح من إيران وتعزيز قدراته الإنتاجية المحلية، بينما ستضطر إسرائيل إلى مضاعفة عملياتها لمواكبة تقدم الحزب.
كما سيواصل «حزب الله» الاعتماد على كشافة الإمام المهدي مصدرا أساسيا لتجنيد عناصر، ومع غياب منظومة خدمات بديلة من الدولة اللبنانية، ودعم اقتصادي أميركي ينافس ما يقدمه الحزب، فستبقى الطائفة الشيعية معتمدة عليه بصورة كبيرة. ويبدو أن معارضي الحزب من الشيعة سيواصلون خسارة الانتخابات البرلمانية، بما في ذلك الانتخابات المقبلة في أيار 2026.
ما زالت إيران تطمح إلى تدمير إسرائيل
تواصل إيران التمسك بهدفها الاستراتيجي: القضاء على إسرائيل، وقد ظهر ذلك في خطابات خامنئي وتصريحات كبار قادة الحرس الثوري، ومنها خطاب في 13 تشرين الثاني للمتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية، أبو الفضل شكَرجي. وعلى الرغم من ذلك، فإن التصريحات الإيرانية عقب اغتيال طبطبائي تُظهر أن طهران لا ترى ضرورة لرد فوري من «حزب الله»، وتترك له حرية تحديد التوقيت، كما قال محسن رضائي. وتفهم طهران أن دخول الحزب في مواجهة محدودة قد يعرضه لخسائر كبيرة، ويفوت أهدافه البعيدة المدى، ولهذا تفضّل الاحتفاظ به لمواجهة أكبر.
مأزق استراتيجي داخل «حزب الله»
يبدو أن «حزب الله» يجد صعوبة في اتخاذ قرار: الامتناع من الرد قد يفسَر ضعفاً ويفتح الباب أمام ضغوط أكبر من إسرائيل ومعارضيه في لبنان، بينما القيام برد محدود سيتيح لإسرائيل تكثيف ضرباتها، وقد يؤدي إلى خسارة المكاسب التي حققها منذ وقف إطلاق النار في تشرين الثاني 2024. ونقلت الوكالة الفرنسية عن مصدر مقرب من الحزب أنه يوجد داخله رأيان: أحدهما يؤيد الرد، والآخر يفضّل الامتناع، مع ميل القيادة إلى الامتناع. وفي الوقت نفسه يعي «حزب الله» ضرورة كشف مصادر الاختراق الاستخباراتي.
ضعف الجيش اللبناني
كشفت تقارير إسرائيلية حديثة عن صعوبات الدولة اللبنانية في الاستفادة من وضع «حزب الله» الحالي لتعزيز سيادتها، إذ ذكرت أن الجيش اللبناني - الذي يضم عدداً كبيراً من الضباط الشيعة - يرفض طلبات إسرائيل دخول أملاك خاصة في الجنوب التزاماً بتفاهمات مع «حزب الله»، وأن هناك تنسيقاً بين ضباط كبار في الجيش والحزب يشمل إنذارات مسبقة لإخلاء مواقع قبل وصول الجيش. وتكشف هذه المعطيات عمق نفوذ الحزب في مؤسسات الدولة، وهو نفوذ رسخته إيران على مدى أكثر من أربعة عقود.
تتطلب مواجهة «حزب الله» استراتيجية شاملة متعددة الجبهات، لا تكتفي باستهداف قدرته العسكرية، بل أيضاً تعمل على تقويض سيطرته على قاعدته الاجتماعية. الضربات العسكرية وحدها لن تحقق الهدف المرجو.

عن موقع معهد «مسغاف» للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية

 

 

 

كلمات مفتاحية::
Loading...