
سقطت الأحزاب الفلسطينية ومن بينها الحزب العربي بزعامة الحاج أمين الحسيني وحزب الدفاع بقيادة راغب النشاشيبي وحزب الإخوان المسلمين الذي كان له شعب في عدة مدن في فلسطين قبل هزيمة العام 1948. كانت نهاية هذه الأحزاب أقل ما يمكن أن يحصل لقاء فشلها في حماية الوجود الفلسطيني من الخطر الصهيوني.
وجاءت أحزاب كحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ردا على الهزيمة التي لحقت بالأمة في وجه المشروع الصهيوني، ومن هذه الأحزاب أسماءها وبرامجها يتبين أنها جاءت لتحرير فلسطين وعودة أهلها عن طريق الكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية.
بعد عقود طويلة من تأسيس تلك الأحزاب، تجلى فشل الفصائل الفلسطينية في تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها، ليس من خلال سلسلة من الأزمات والهزائم والتراجعات على القضية الفلسطينية وحسب، بل لأنها استمرت بنفس العقلية والنهج حتى بعد المنعطف التاريخي للقضية منذ السابع من أكتوبر 2023. استغل عدونا الهجوم " كفرصة تاريخية" كما عبر عنها رئيس وزراء إسرائيل في أكثر من مناسبة لتغيير "الشرق الأوسط" والبدء بمشروع إسرائيل الكبرى. كان من المفترض لكل هذا أن يوقظ الفصائل من سباتها الذي طال أكثر مما ينبغي، ويذكرها بعدو إقصائي يريد محو ما تبقى من وجودنا على أرضنا وبدورها الذي بدا وكأنها تناسته أو حادت عنه. وبدلا من وقفة لإعادة ترتيب الأوراق واستعادة الوحدة الوطنية لمواجهة مرحلة ربما تكون من أخطر ما واجهه الشعب الفلسطيني طيلة مئة عام من الصراع مع المشروع الصهيوني، استمرت الفصائل الفلسطينية بنفس العقلية الإقصائية الاستعلائية التي تعتبر نفسها منزهة عن الخطأ، مجترة لنفس الخطاب والمصطلحات وطريقة التعامل مع بعضها ومع العدو، لا تجيد سوى تراشق الاتهامات والمسؤوليات، ولا أحد يعترف بمسؤوليته ولو جزئيا عما يجري. رغم أن أي شخص غير خبير بالقضية الفلسطينية وتطوراتها يستطيع استنتاج أن ما كان جيدا ومقبولا قبل السابع من أكتوبر لم يعد كذلك بعده، لأنه وبعد هذا التاريخ تفرض خارطة جديدة للمنطقة كلها لا بل ربما لقواعد دولية بأسرها بأصابع البطش والوحشية لصالح إسرائيل ومشروعها الإمبريالي الاستعماري.
استمرت فصائلنا بتحدي مخططات الاحتلال الدي أعلن عنها بكل صلف منذ السابع من أكتوبر، في نشر خطاب النصر الإلهي تارة وتارة باستجداء الأمم المتحدة التي وقفت عاجزة أمام قوى الاستكبار في العالم، والمجتمع الدولي الذي أشاح بوجهه عن المجازر والجرائم التي ترتكب بحق شعب أعزل، وكشف عن وجهه الحقيقي في الانحياز الكامل لرواية إسرائيل وحقها فيما أسماه " الدفاع عن النفس" وفي أفضل الأحوال اكتفت بعض الدول بالتنديد بإسرائيل دون أن تفعل شيئا حقيقيا وملموسا لوضع حد لإجرامها. ومضت أحزابنا ممعنة في التعنت ورفض قراءة الواقع الجديد تاركة المجال للاحتلال ليقول ويفعل، لترد قيادات الأحزاب الفلسطينية بالقول فقط وفي أفعال أثبتت سنتان ونيف من الإبادة أن كثيرا منها كان للاستهلاك الإعلامي دون تأثير أو بتأثير ضئيل جدا لم يسعف الشعب الفلسطيني. حتى قولها لا يتعدى تصريحات شجب واستنكار وتنديد وترحيب لم تؤدي إلى شيء سوى زيادة الاحتقان الشعبي، تاركة الميدان للاحتلال وحده يغير الجغرافيا والديمغرافيا والتاريخ والحاضر والمستقبل أيضا. حتى إن الفصائل الفلسطينية التي تقوم بعمليات ضد الاحتلال لم ترتق حتى الآن لمستوى الفعل والوقوف في وجه مخططات العدو محاولة منعها أو عرقلتها على الأقل، بل تخرج بعد كل عملية وتصرح بأنها "رد طبيعي على جرائم الاحتلال"، فالاحتلال يفعل ويرتكب الجرائم والأحزاب تأتي لترد بعمليات وكأن المقاومة تقلصت لتصبح مجرد "فشة خلق" لا تغير شيئا حقيقيا على الأرض بل عادة ما تكون ردة فعل الاحتلال عليها مصادرة المزيد من الأراضي القليلة المتبقية لدى الشعب الفلسطيني لحساب المستوطنات، وارتفاع وتيرة التنكيل بالفلسطينيين.
لقد أثبتت الإبادة ضعف أداء هذه الأحزاب وانفصالها عن الواقع باكتراثها بالوهج خارج فلسطين أكثر مما يجري داخلها، فصائل لا زالت تراهن على الجهود الدبلوماسية وتعتبرها الإنجاز الأسمى مقابل صفر إنجازات على الأرض، طالبة رضا العالم عنها معتقدة أنه سيتحرك يوما لينقذها من براثن الاحتلال التي تنهشها وشعبها بلا هوادة، إن هذه الجهود يجب أن تأتي تتويجا لما يجري على الأرض وليس أن تكون بديلا عنه، تاركة فراغا على الأرض جعل الاحتلال بجيشه ومستوطنيه وحده من يحقق إنجازات لصالح مشروعه الإلغائي التوسعي. إن هذه الأزمة التي تعصف بالقضية لا تقل خطورة عن هزيمة العام 1948و 1967، بل تزيد عنهما، لذا إن أقل ما يجب فعله هو العودة للقوى الحية في الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات والتوجه فورا لإجراء انتخابات عاجلة لانتخاب قيادة من الناس وللناس، بعقلية جديدة، تمد يدها للآخر، توحد ولا تفرق، تلملم جراح الشعب المكلوم، وتستطيع بكل عزم الخروج من هذه الأزمة، والنهوض بالقضية الفلسطينية من جديد.