مقالات مختارة

الخطة الإستراتيجية الجديدة للدفاع عن حدود إسرائيل | رون بن يشاي

 - منظومة الدفاع الأولى: جدار واستحكامات داخل الأراضي الإسرائيلية
 - منظومة الدفاع الثانية ستكون داخل أرض العدو، والثالثة منطقة حدودية مجرّدة

أدى الإخفاق في "المذبحة" إلى إيجاد استراتيجية جديدة تجاه الدول التي يوجد لإسرائيل سلام معها أيضاً.
تتضمن الخطة ثلاث منظومات دفاع في حدود غزة، لبنان، وسورية: استحكامات وعوائق في أراضي إسرائيل، و"منظومة دفاع متقدمة" في أرض العدو، وطلب تجريد السلاح من مناطق تشكل تهديداً.
تقيم إسرائيل المنظومات ترقباً لدعم إدارة ترامب لها، لكن ليس واضحاً كيف سيردون في أوروبا. وفي كل حال سيتطلب الأمر آلاف المقاتلين، وميزانيات طائلة.
في الاحتفال الختامي لدورة الضباط، الأحد الماضي، حين قال رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، إنه يطالب "بتجريد كامل لجنوب سورية من قوات النظام الجديد"، كشف عملياً عن إستراتيجية دفاع على الحدود الجديدة لإسرائيل.
عملياً، تبلورت هذه الاستراتيجية في نهاية السنة الماضية، بعد اتفاق وقف النار في لبنان، وأضاف نتنياهو، الأحد الماضي، القسم الناقص في اللوحة حين أعلن انه سيطالب بان يكون جنوب غربي سورية، من دمشق جنوباً، منطقة مجردة من السلاح.
تبلورت هذه الاستراتيجية أساساً نتيجة لدروس إخفاقات مذبحة 7 تشرين الأول، وهي معدة أولاً وقبل كل شيء لإعطاء الأمن لسكان البلدات المجاورة للحدود في الجنوب، في الشمال، وعلى حدود سورية.
تفرق الاستراتيجية بين الحدود مع الدول التي يوجد لها سلام معها، أي مصر والأردن، وبين الحدود التي يحدق منها خطر مباشر وتهديد نشط على مواطني دولة إسرائيل، في البلدات المجاورة للحدود والبعيدة عنها عدة كيلومترات.

منظومة دفاع برية ثلاثية الطبقات
في الحدود التي لا تزال فيها حرب نشطة أو شبه نشطة، أي في حدود قطاع غزة، وفي حدود لبنان، وفي هضبة الجولان، ستكون منظومة دفاع برية ثلاثية الطبقات.
منظومة الدفاع الأولى ستكون داخل أراضي إسرائيل، وستتضمن استحكامات دائمة، وعائقاً برياً يتضمن جداراً و/أو سوراً وجساسات مختلفة لضبط الحدود، وكذا منظومة محاور سير سريعة، وقوات كثيرة وعناصر دفاع جوي ومدفعية.
منظومة الاستحكامات والعائق يفترض أن تفصل مادياً بين بلدات الحدود وبين القرى الشيعية ومراكز التنظيم المحتملة لـ "حزب الله" في جنوب لبنان.
في قطاع غزة ستكون منظومة ذات مزايا مشابهة، تفصل بين أراضي القطاع وبين بلدات غلاف غزة، إلا أنه بدلاً من وجود معسكرات للقوات على الحدود ستكون هذه استحكامات عسكرية حقيقية جاهزة لتوفير دفاع لمحيطها والقتال ضد كل من يحاول الاقتحام، حتى دون أن يكون هناك إخطار استخباري.
في حدود سورية مع هضبة الجولان السورية يوجد منذ الآن عائق، وتوجد استحكامات دفاع مأهولة، أي كل هذا في أراضينا.
منظومة الدفاع الثانية في كل الجبهات الثلاث هذه ستكون داخل أرض العدو، وستشكل مدماك "دفاع متقدم"، كان قائماً في حينه في الحزام الأمني في لبنان، من العام 1984 وحتى انسحاب الجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي من الحزام الأمني في أيار 2000. في قطاع غزة يفترض أن يكون وجود للجيش الإسرائيلي بهذا الشكل أو ذاك في الفاصل الأمني الذي يوجد داخل القطاع.
عمق هذا الفاصل وطريقة وجود الجيش الإسرائيلي فيه بهدف منع اقتراب فلسطينيين من الجدار، ليسا واضحين بعد، وهذا موضوع للمفاوضات في المرحلة الثانية من صفقة المخطوفين الحالية، وهذه ستكون أساساً المفاوضات على ترتيبات الأمن في الفاصل الأمني – حزام الدفاع المتقدم. لكن إسرائيل أوضحت منذ الآن أنها ستطالب بحق العمل في هذا الفاصل الأمني، سواء أكان هذا في شكل وجود دائم أو من خلال دوريات برية، جوية وما شابه.
في حدود لبنان، الدفاع المتقدم يتم في هذه اللحظة من خلال خمسة استحكامات على طول الحدود، والتي توجد في مناطق تحت السيطرة. توجد فيها قوة سرية، وتقول إسرائيل إنها ستخرج منها إذا ما وعندما يكف جنوب لبنان عن أن يكون مصدر تهديد على أراضي إسرائيل.
في هضبة الجولان، تعزز قوات الجيش الإسرائيلي، التي دخلت إلى المنطقة الفاصلة وانتشرت فيها لوجود مؤقت لكنه طويل، طبقة الدفاع المتقدمة لبلدات هضبة الجولان ولسيادة إسرائيل في هضبة الجولان.
تقررت المنطقة الفاصلة كأرض فارغة من كل وجود عسكري إسرائيلي أو سوري، شرق الحدود مع إسرائيل، وهي معدة لتكون فاصلاً جغرافياً برياً يلزم السوريين ويلزمنا بأن نجتازها إذا كانت لأي من الطرفين نوايا هجومية.
تقررت منطقة الفصل هذه في اتفاق وقف النار مع سورية في العام 1974، والآن مع إسقاط نظام بشار الأسد من قبل المنظمة الجهادية هيئة تحرير الشام، سارعت إسرائيل بالدخول إلى منطقة الفصل والاستيلاء عليها لخلق منظومة دفاع متقدمة عن بلدات هضبة الجولان، لم تكن من قبل.
هذه المنظومة، مثلما في لبنان، تتشكل أساساً من استحكامات رصد، تقام على أراضٍ تحت السيطرة ودوريات، لكن بخلاف جنوب لبنان، توجد للجيش الإسرائيلي علاقات مع السكان، وللتواجد في قمة جبل الشيخ السوري أيضاً قيمة استخبارية وعملياتية مهمة.

الجديد الحقيقي: تجريد المناطق المهدِّدة لإسرائيل
منظومة الدفاع المتقدمة الثالثة، التي هي الجديد الحقيقي، هي تجريد المناطق التي يحدق فيها تهديد على إسرائيل.
في قطاع غزة، أعلن رئيس الوزراء أن كل تسوية لإنهاء الحرب يجب أن تتضمن ليس فقط إعادة المخطوفين وتقويض الحكم المدني والعسكري لـ"حماس" بل أيضاً تجريد القطاع. التجريد هو اصطلاح عام، معناه أنه في المنطقة التي ستكون في إطار ترتيبات التجريد إما ألا يكون سلاح على الإطلاق أو ألا تكون أنواع معينة من السلاح: مثلاً سلاح شخصي، كلاشينكوفات ومسدسات ربما يكون مسموحاً بها، وربما حتى بنادق تستخدمها السلطة لإنفاذ القانون، لكن الأسلحة الهجومية مثل صواريخ ومقذوفات أرض أرض، وقذائف هاون، وصواريخ مضادة للدروع، وصواريخ آر.بي.جي، وبالطبع مركبات قتالية مدرعة كالدبابات أو المجنزرات، أو القوارب والسفن الحربية والمُسيرات وكذا دواليك.. كل هذه الأمور القادرة عملياً على أن تطلق إلى أراضي إسرائيل وتلحق بنا خسائر ستكون محظورة.
في إطار اتفاقات السلام مع مصر، وكذا في إطار ترتيبات وقف النار مع سورية، توجد مناطق تقررت فيها في حينه قيود على القوات، أي من المسموح حيازة دبابات حتى عدد معين، ومن المحظور التحليق بطائرات قتالية، ومن المحظور حيازة مدافع وراجمات فوق أطر معينة وكذا دواليك. ولهذا فإن موضوع التجريد قابل للتفاوض وهو مركب، وعند الحديث عن التجريد فإن الرب والشيطان يكمنان في التفاصيل الصغيرة.
ينطبق الحكم ذاته أيضاً على جنوب لبنان. عملياً تطالب إسرائيل بأن تكون منطقة جنوب لبنان، من الليطاني جنوباً وشرقاً، مجردة من الصواريخ والمقذوفات الصاروخية من كل الأنواع: صواريخ مضادة للدروع ومُسيرات، وراجمات وحوامات كبيرة.
تطالب إسرائيل بالطبع بألا يسمح لرجال "حزب الله" أيضاً بأن يتجولوا مسلحين في المنطقة جنوب الليطاني ولا حتى بسلاح خفيف.
يفترض بالجيش اللبناني أن يفرض هذا، وإذا لم ينجح في ذلك فإسرائيل ستفعل. لكن في لبنان تعمل إسرائيل أيضاً في مديات بعيدة، حتى أكثر من 100 كيلو متر، كي يكون لبنان مجرداً من الصواريخ الثقيلة، والدقيقة أساساً، الكفيلة بإلحاق ضرر كبير في الجبهة الإسرائيلية الداخلية.
في سورية، قضى رئيس الوزراء بشكل صريح أنه يطالب بتجريد منطقة الجولان السوري حتى الحدود مع الأردن من الجنوب ومن الشرق حتى المعبر إلى منطقة السويداء المعروفة بجبل الدروز.
في هذه المنطقة يطالب نتنياهو ألا توجد المنظمة الجهادية التي تسيطر الآن في سورية وأساساً ألا يوجد أيضاً الجيش السوري الجديد، الذي هو تحالف منظمات إسلامية مسلحة انضمت إلى هيئة تحرير الشام وزعيمها أحمد الشرع الجولاني.
تحاول هذه المنظمة الآن إقناع العالم بأنها وإن كانت منظمة إسلامية إلا أنها محبة للسلام، ولعلاقات الجيرة الطيبة مع المحيطين بها ومع العالم بعامة. الشرع، الذي بدل بذلته العسكرية ليلبس بذلة مدنية وربطة عنق يحاول الآن الإقناع بأن كل همه ينصب على إعمار سورية من دمار الحرب الأهلية، وإنهاء إرث حكم الطغيان لعائلة الأسد والأقلية العلوية.
ويشدد صراحة على أنه يريد علاقات جيرة بلا عنف مع إسرائيل، لكنه لا يتحدث عن السلام.
في الخلفية في سورية يوجد أيضاً الأتراك الداعمون الأساسيون للجولاني ورجاله لكنهم لا يسيطرون عليهم.
في إسرائيل يخشون من متلازمة "القط المتربص" في سورية، أي لن يبعد اليوم الذي يغير فيه الجهاديون، الذين يتحدثون الآن بتعبير الدولة المحبة للسلام، جلدهم ليعودوا ليكونوا إسلاميين جهاديين تحت صورة "جيش سورية الجديد" على حدودنا.
فضلاً عن ذلك، فإنهم يهددون أبناء الطائفة الدرزية في السويداء، وإخوانهم في إسرائيل قلقون مما سيحصل في المستقبل.
حالياً يحاول الشرع تهدئة روع الدروز وضمهم في نظامه، لكن كونهم أقلية تختلف عن السلفيين فإن الدروز مهددون، ولإسرائيل مصلحة في الدفاع عنهم.
ولهذا أكد نتنياهو في خطابه أن إسرائيل تطالب بألا يدخل إلى المناطق جنوب دمشق، القنيطرة، ودرعا، والسويداء رجال هيئة تحرير الشام أو جيش سورية الجديد الذي هو جهادي بلباس جديد.
عندما سألت ما هو معنى منع دخول جيش سورية الحر ورجال هيئة تحرير الشام إلى المنطقة جنوب دمشق شرح لي رجل أمن كبير بأن إسرائيل تريد في واقع الأمر تجريد هذه المنطقة ليس فقط من وجود السلاح الثقيل بل أساساً من وجود الإسلاميين، الذين قد ينفذون هجوماً على نمط 7 تشرين الأول "الإجرامي" من الحدود السورية.
عملياً، مفهوم الدفاع ثلاثي الطبقات هذا يستهدف الدفاع عن إسرائيل من "الإسلام المتطرف" في قطاع غزة، وفي جنوب لبنان وفي سورية أيضاً.
فيها جميعها، الجهات التي تعرض إسرائيل للخطر هم الجهاديون الشيعة والسُنة الذين سيشكلون تهديداً حتى في "اليوم التالي" في سورية، وفي لبنان، وفي قطاع غزة.
ستبقى إيران الشيعية تدعم الميليشيات التي قد تندفع نحونا من أراضي العراق، وستدعم تركيا الميليشيات الجهادية التي ستأتي إلينا من وسط سورية وشمالها. عن "حماس" في غزة لا حاجة للحديث.
طبقات الدفاع الثلاث هذه يفترض أن تعطي لسكان شمال، جنوب وشرق إسرائيل، دفاعاً أمام شكلين من الهجوم: انقضاض بري وتسلل إلى داخل إسرائيل ونار مباشرة مثلما كان في الشمال وبقدر معين في غلاف غزة.
عملياً، مفهوم دفاع الحدود هذا يقوم على أساس طبقة رابعة، وهي القدرات الاستخبارية والجوية لدولة إسرائيل.
أحد دروس 7 تشرين الأول 2023 هو أن سلاح الجو يجب أن يكون في الميدان، وأن يكون ثمة عنصر مدفعي في دفاع الحدود الجديد.
لهذا المفهوم بالطبع توجد فضائل أمنية وعسكرية واضحة، لكن السؤال هو فقط إذا كان قابلاً للتطبيق وعلى مدى كم من الوقت.
في سورية أيضاً مثلاً أوضحت إسرائيل للأتراك وكذا للحكام الجدد في دمشق، من خلال الوسطاء، أنها لا تنوي البقاء بشكل دائم في المنطقة الفاصلة، وتقيم هناك دفاعاً متقدماً إذا كانت هناك ترتيبات أمنية دائمة، ربما تضمنها تركيا أيضاً.
في لبنان، عملياً الطريقة الحالية لا يفترض أن توجد، وتقول إسرائيل إنها ستطوي منظومة الدفاع المتقدمة، أي استحكامات السيطرة والرصد، إذا تبين أن الجيش اللبناني بالفعل أخذ إلى يديه بشكل فاعل، متواصل، وجدي السيطرة في المنطقة جنوب الليطاني.
كان بود إسرائيل أن ينزع سلاح "حزب الله" تماماً على الأقل جنوب الليطاني.
مفهوم دفاع الحدود هو ما كانت إسرائيل تريد أن يتحقق ويوجد لهذا احتمال، والسبب هو الإدارة الأميركية برئاسة ترامب.
في إدارة بايدن أو أوباما لم يكن هناك احتمال لتنظر الإدارة الأميركية في عناصر هذا المفهوم، الذي يجري قسم مهم منه في أرض ليست تحت سيادة إسرائيل. أما لدى ترامب فثمة احتمال لهذا.

دفاع الحدود مع مصر والأردن
صورة مفهوم دفاع الحدود لن تكون كاملة دون رسم ماذا سيحصل في الحدود مع مصر والأردن.
في حدود السلام توجد نية لتكثيف منظومات الدفاع المادية التي تتضمن استحكامات، عائقاً (سياجاً حديدياً أو سوراً) ووسائل رصد وجمع معلومات من كل الأنواع.
سيتم الدفاع في هذه الحدود داخل أراضينا، وفي الحدود الشرقية، أي أساساً مع الأردن، ستقام فرقة جلعاد، وأساس عملها منع التهريب من حدود الأردن، الذي هو وجع الرأس الأساس في الضفة، ولكن ستكون جاهزة أيضاً لإمكانية تهديدات برية من الشرق.
في الحدود مع مصر أيضاً سيكون دفاع مختلف للأهداف ذاتها حقاً، رغم أن سيناء تعطي للحدود عمقاً إنذارياً واستراتيجياً أفضل مما للحدود مع الأردن.
سيتطلب هذا ما لا يزيد على 10 آلاف مقاتل ومقاتلة، ومقدرات مالية كبيرة.
وأخيراً ستكون منظومة الدفاع المتقدمة مكشوفة، وستصبح هدفاً، بعد فترة معينة، لهجمات "حزب الله" أو مسلحين من القطاع، سواء أكان هؤلاء "حماس" أم جماعات مسلحة أخرى. وهكذا أيضاً في هضبة الجولان. استحكامات الرصد والتحكم في لبنان، ومنطقة الفصل الأمني في قطاع غزة، وربما أيضاً في الجولان السوري قد تنتج لنا معارك عصابات و"إرهاب" مثلما كان في الحزام الأمني في جنوب لبنان.
وعليه فيتعين على إسرائيل أن تستكمل منظومات الدفاع البرية بمنظومة إنفاذ من الجو أساساً، للاتفاقات والتسويات بعد أن تتصمم نهائياً.

عن "يديعوت"

Loading...