في ذروة مأساتنا.. أين روسيا؟؟

 

 

 

غزة تحولت إلى بؤرة صراع جيوسياسي تدار به حسابات القوة بعيداً عن معايير العدالة الدولية، أهناك منطقة في العالم تعيش فوضى دموية وفوضى استراتيجية كمنطقتنا؟!، غزة أمام عيون العرب وعيون العالم، مقبرة للأحياء أكثر منها مقبرة للأموات، في ذروة المأساة صراخنا أين روسيا وحلفائها للعب دور في إعادة الحقوق إلى أصحابها؟!، بوتين لا يكفي 30 ألف طن قمح لمساعدة غزة، لا جدوى من أنينا ولا جدوى من صراخنا، مع غياب الرؤية لا يبدو روسيا تقف معنا ولا تملك رؤية خاصة بها لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بوتين رجل يتوق إلى اعادة احياء روسيا المقدسة يسعى إلى الحد من النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط والتعامل مع الجميع في المنطقة سواء كانوا أصدقاءً تقليديين أم أعداءً، تحسين العلاقات مع كافة الأطراف سيحمي بوتين من الاتهامات بأنه يؤيد محوراً دوناً عن الآخر، نظرته التعادلية للعالم ساهمت بتحسين العلاقة مع إسرائيل "وهو يدرك العلاقة العضوية والالهية بين أمريكا وإسرائيل"، لتحقيق هذا الهدف، كان بوتين أول قائد في الكرملين يزور إسرائيل في عام2005، تشاركا المخاوف من التطرف المتمثل بحماس لإسرائيل والشيشان لروسيا، وحينها شبّه بوتين صراع روسيا ضد الإرهاب بصراع إسرائيل ضده!!.إسرائيل تدين بجزء من وجودها إلى الاتحاد السوفييتي وتصويتها بالوكالة خلال الحرب الباردة منذ سبعين عاماً  لدعم قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين وقيام الدولة اليهودية، ولكن سيكون هناك دائماً حدود للعلاقة بين روسيا وإسرائيل، فقد ينظر بوتين إلى الدبلوماسية على أنها لعبة تعادُل، إلّا أنّ القادة الإسرائيليين لن يُخفضوا مستوى علاقاتهم مع واشنطن من أجل استرضاء موسكو.

رغم اختلاف المصلحة الوطنية من دولة لأخرى إلا أن هناك حد أدنى من الاتفاق حول تعريف هذا المفهوم وهو حماية السلامة الإقليمية والاستقلال السياسي للدولة، أي المحافظة على البقاء وهو ما يرتبط عادةً بالأمن القومي للدولة وفي ضوء ذلك سيتم الاستفادة من مفهوم المصلحة الوطنية في تحديد المصالح القائمة عليها العلاقة بين روسيا وإسرائيل، انتهج بوتين منهجاً براغماتياً متماشياً مع سياسة التوازنات والمصالح الاقتصادية الروسية اتجاه إسرائيل للحفاظ على مصالح الجالية الروسية فيها، بغض النظر عن أطراف الصراع ومصالحهم، فتطور العلاقات بين الجانبين أدى إلى سماح السلطات الروسية للآلاف من اليهود الروس الهجرة إلى إسرائيل والأراضي المحتلة، والتزامها بدفع 83) مليون دولار) قيمة معاشات تقاعديه لهم، فهناك أكثر من مليون مهاجر روسي في إسرائيل والذين يعتبرون إسرائيل موطنهم التاريخي، وهو الأمر الذي أدى إلى اختلال التوازن والتركيبة الديمغرافية بين الفلسطينيين والإسرائيليين في المناطق المحتلة.

الضغوط الدولية الشديدة على روسيا بعد حربها على أوكرانيا دفعتها لتغيير أولوياتها والتركيز على أجندة معادية لأمريكا والغرب، تزامنت مع متغيرات جديدة باندلاع الحرب في غزة وردة الفعل الأمريكي منها، وتكهنات حول حدوث تفاعلات استراتيجية خطيرة ووشيكة للمنطقة كلها، كإحياء سيناريو شرق أوسط كبير وخرائط جديدة للمنطقة "سايكس بيكو جديد"، وصفقة القرن وترحيل الفلسطينيين، احياء الاتفاقات الابراهيمية، فسعى بوتين إلى الظهور بصورة أكثر توازناً في نهجه من المقاربة التي تتبعها الولايات المتحدة وإلى إظهار روسيا كبلدٍ سيحقق نجاحاً حين فشلت واشنطن، مما أدى إلى تعديل روسيا لمواقفها، واستعراض مدى قربها من العالم العربي والاسلامي، وتعزيز موقفه في المنطقة وترتيب الخارطة السياسية للشرق الأوسط الذي تسهم حرب غزة بتحديدها، والثأر من واشنطن والغرب عبر خصومهم، وخاصة أن إسرائيل ممثلاً للغرب في المنطقة، رغم أن إسرائيل وقفت دور المحايد من الحرب الروسية الأوكرانية، العزلة التي تعاني منها الدبلوماسية الأمريكية وسعيه لمليء هذا الفراغ، نتيجة تخبطات السياسة الأمريكية التي فقدت الكثير من مصداقيتها في الخليج والشرق الأوسط عموماً، وخاصة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والتي انعكست سلباً على تحالفاتها في المنطقة، ورغبة دول المنطقة في شراكات دولية تخدم مصالحها وتدخل ضمن معادلة موازين القوى الجديدة.

محاولات بوتين لبناء نوع من التحالفات المناهضة لأمريكا تكللت بشراكة استراتيجية مع إيران، وخاصة أن روسيا وايران بخندق واحد، وأن كل هذه العمليات تـأتي من ذات المنهج التحالفي، إيران تشكل الداعم الرئيسي للمقاومة في غزة ولبنان واليمن، اختار بوتين تبني موقف مؤيد لحماس، لم يدينها بعد طوفان الأقصى، لا بل قارن بوتين حصار غزة بحصار النازيين للينينغراد، موقف روسيا بشأن الصراع العربي الإسرائيلي ليس بجديد، فهي مع حل الدولتين وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، ويبقى بوتين مرنًا ويهدف إلى إبقاء خياراته مفتوحة في الشرق الأوسط، وسعيه لعب دور الوسيط في رحلة البحث عن حلّ لتسوية الصّراع وإقرار السلام واحتواء أي محاولة لدفع المنطق إلى الهاوية، عبر علاقاته مع إيران وتركيا ومع دول الخليج بعد انضمام السعودية والإمارات لمجموعة بريكس، الإمارات لم تنضم للعقوبات بل كانت طريقاً للتحايل على العقوبات الغربية والشريك التجاري لروسيا في العالم العربي، وتنفيذ مشاريع مشتركة للطاقة "شركات غاز بروم ولوك اويل ونوفاتك الروسية تنفذ مشروعات كبيرة مع ادنوك الإماراتية"، والتعاون مع السعودية في مجموعة اوبك بلس وتعزيز مكانة روسيا في قطاع الطاقة باعتبارهما أكبر منتجي النفط في العالم، وقرارات مجموعة منتجي النفط في اوبك على خفض الانتاج محاولة للحد من أثار تشديد العقوبات المفروضة على روسيا وضمان استقرار سوق النفط وحمايته من الركود وتعزيز الأسعار العالمية.

مما يجعل هذه الاستراتيجية الروسية تهديدً غير مباشر لإسرائيل وسيؤدي إلى تدهور نسبي للعلاقات الإسرائيلية الروسية، في اطار حربها متعددة الساحات والتي أثرت على المصالح الروسية وخاصة في سوريا، سعي ترمب إلى انهاء الحرب في أوكرانيا لكبح الطموح الروسي، حتى لو كلفه خسارة حلفاءه الغربيين، ودون شروط مسبقة مما يعزز دور روسيا كقوة فاعلة في الساحة الدولية وهي مكانة لطالما توقّاها بوتين، فكيف ستؤثر العلاقات بين موسكو وواشنطن على سياسات روسيا في المنطقة، هل ستعيد روسيا أمجاد الاتحاد السوفييتي عندما وجهت موسكو انذاراً بالتدخل نيابة عن الجانب العربي خاصة بعد محاصرة الجيش الإسرائيلي للجيش المصري، واستدعاء القوات الجوية والبرمائية وإدخال الأسلحة النووية إلى البحر المتوسط بحرب تشرين 1973، ونرى سفن روسية متجهة إلى الشرق الأوسط ويكون بوتن كخلفه بريجنيف يلعب دوراً استراتيجياً ونداً في مواجهة أمريكا وإسرائيل، لإغاثة الفلسطينيين وتحقيق العدالة في بقعة غُيبت عنها العدالة ولسنين طويلة؟!.

لا رهان على العلاقات مع روسيا اذ تفتقر إلى العمق والثقة، ولا يمكن الاعتماد عليها كسند دولي موثوق به، فالمساعي الروسية في مجلس الأمن لوقف اطلاق النار بغزة لم تكتسب ذات أهمية، بل هي فرصة لتصعيد ما وصفها بوتين بالمعركة الوجودية مع الغرب من أجل فرض نظام عالمي جديد ينهي الهيمنة الأمريكية، وعودة روسيا إلى ما كانت عليه كقوة عظمى في نظام عالم متعدد الأقطاب وتكوين تحالفات إقليمية ودولية بغض النظر عن أطراف الصراع ومصالحهم، بمعنى المصالح الخاصة كانت المحدد الأبرز لهذه السياسة، سعي روسيا لأن تكون لاعباً دولياً، وبذلك لا يمكن اعتبار القضية الفلسطينية بمعطياتها وأطرافها أكثر من أداة لتحقيق الطموح الروسي العالمي.

 

 

 

Loading...