أينما حل العامل الفلسطيني، جرى التعامل معه كحالة نموذجية مريحة للمستضيفين، سواءً كانوا شعوباً وكيانات نامية، أو متقدمة في مجالات الإنتاج جميعاً.
العامل الفلسطيني، وبحكم ظروف النكبة والاحتلال وقسوة الحياة التي خلفتها في المخيمات وأماكن اللجوء، استوطن عمله وأخلص له حيثما وجد فرصة عمل، فكل العمال الذين يغادرون أوطانهم سعياً وراء لقمة العيش أو تحسين الدخل من غير الفلسطينيين، لهم نقطة انطلاق وعودة، أمّا العامل الفلسطيني وإن كانت له نقطة انطلاق من مخيم أو مكان لجوء، فلا وطن يعود إليه.
العامل الفلسطيني، كان وفق سجله حيث يعمل، هو الأقل تجاوزاً للقوانين حيث يُستضاف، والأقل إلحاقاً بالأذى للنسيج الاجتماعي الذي منحه فرصة العمل، ووفر له دخلاً محترماً ليعيش معه بكرامة ويدعم به أسرته التي بقيت في المخيم أو في أماكن اللجوء.
كان على يقين من أن حسن أداءه لعمله، وحسن سلوكه في الحياة، والتزامه بأخلاقيات الضيافة والامتثال بقوانين البلد الذي فتح له أبواب الرزق، هو وطنه الثاني الذي يحرص عليه ويرعاه لبقاء حلمه بالعودة إلى وطنه الأول.
عمّالنا الفلسطينيون في كل مجالات العمل، علّموا أجيالاً وأنتجوا علماء ومبدعين في شتى المجالات، وما زالت المجتمعات التي استضافتهم تذكّر بمزاياهم الأصلية في كل مجال عملوا فيه، وبالأخص في مجال التعليم وتنمية القدرات.
الآن.. فُرض على هذه الشريحة الأساسية في حياتنا، أن تقع بين شقي الرحا القتل الجماعي وهذا ما نراه في غزة حيث الإبادة الجذرية لكل الناس، والبطالة المتفشية حيث لا فرص عمل لمئات الألوف منهم داخل الوطن وخارجه.
عمّالنا عصب حياتنا، وضمان بقاءنا، هم المنتجون وبناة البلد والاقتصاد والحياة، ليلهم لن يطول فهذه سنة الحياة والكون، ولابد وأن تأتي تلك الأيام التي يعود العمّال الفلسطينيون فيها إلى سابق عهدهم، منتجين للحياة على أرض وطنهم، فمن غيرهم سيعيد بناء غزة، ومن غيرهم يعيد بناء الوطن.