تتابع الحكومة الإسرائيلية عن قرب تحركات القيادة الفلسطينية للتغيير، والإعلان عن مواقف وتوجهات جديدة بناء على ما طرح في القمة العربية مؤخراً، بضرورة تحديث مؤسسات السلطة التي تفتقد أغلبيتها الشرعية في ظل عدم إجراء انتخابات لموقع الرئاسة، أو المجلس التشريعي وانعكاس ذلك على فعاليات مؤسسات السلطة الفلسطينية، وتكليف المجلس المركزي الفلسطيني بالقيام بمهام عديدة من خلال إشراف الرئيس الفلسطيني.
الواقع أن المشكلة الرئيسية ليست في تعيين نائب للرئيس الفلسطيني، كما تم من خلال تعيين حسين الشيخ نائباً للرئيس الفلسطيني، وإنما في البدء بإصلاح النظام الفلسطيني بأكمله لاستيعاب المتغيرات، التي ستجري في الفترة المقبلة بصرف النظر عن شكل أو إطار إنهاء الحرب في قطاع غزة من خلال سيناريو توافقي، أو ما سيجري في الضفة الغربية من تطورات مفصلية حقيقية، سواء قَبِلَ الرئيس محمود عباس بالقيام بها أو أنه استمر يناور في تقديم الخيارات، والمواقف دون أي تغيير حقيقي، وفي إطار لعبة التجاذب الكبري مع حركة «حماس»، مما يؤكد أن وضع السلطة الفلسطينية في حاجة إلى تغيير حقيقي يتجاوز تعيينات عابرة.
وفي المقابل فإن الإدارة الأميركية ليس لديها مانع أو قيود –بصرف النظر عن الضغوطات الإسرائيلية– في التعامل، وقد فعلها المبعوث الأميركي المسؤول عن الرهائن آدم بولر ما يؤكد أن حركة «حماس» تتحرك ضمن نطاق استراتيجي وتكتيكي معاً، وهو ما تتخوف من تبعاته السلطة الفلسطينية في الوقت الراهن، وتعمل على محاصرته والنظر بصورة أشمل من أجل استعادة دورها ومكانتها، باعتبارها الكيان الدولي المعترف به في نطاقه، والحائز على الشرعية الدولية، والمعترف به في المقام الأول.
ويبدو أن حالة التجاذب بين الفصائل الفلسطينية من جانب والسلطة الفلسطينية لا يمكن أن توفّر مناخاً حقيقياً للعمل أو التعامل على أرضية حقيقية في ظل التربص الإسرائيلي بالسلطة في الضفة الغربية، والعمل على تطويق مسارات تحركها، ما يشي بضرورة تغييرها، أو العمل على استبدالها بسلطة مسؤولة، وإن كانت الحكومة الإسرائيلية تتخوف من تبعات ما قد يحدث في اليوم التالي لرحيل القيادة الفلسطينية، واحتمال نشوب صراع على السلطة، برغم تولي حسين الشيخ مؤخراً، وهو ما يتطلب الاستعداد لذلك في ظل اتجاه إسرائيل نحو رسم المشهد الثاني أيضاً في الضفة الغربية وليس فقط في غزة، وهو ما يجري ترتيبه في ظل مواقف متباينة ومعقدة بالفعل، وتحتاج إلى مراجعات حقيقية للتعامل من خلال مقاربة واقعية على اعتبار أن المسألة ليست في تولي بديل للرئيس محمود عباس (ليس شرطاً أن يكون الشيخ)، فالبدلاء كثر، وبورصة الأسماء تتسع لتشمل قيادات كلها من حركة فتح، والإشكالية في الأرضية، التي يتم التعامل من خلالها وهو ما يدركه جيداً الجانب الإسرائيلي.
المشهد الراهن مازال يتّسم بالسيولة السياسية، أي أنه لم يتم التوصل لإطار محدد، وهو ما يتطلب قدرة على التعامل والتفاعل والانتقال من الوضع الراهن إلى وضع آخر، قد يؤثر في رد الفعل الدولي، الذي يطالب بضرورة تغيير مقاربة السلطة، وإعادة التأكيد على دورها مع الدعوة لإحياء دور مؤسسات النظام الفلسطيني بالفعل، من خلال إعادة شرعية هذه المؤسسات المعطلة أولاً مع التركيز على الأولويات المفترض أن تتم وعدم الارتكان للذين يروجون داخل حركة «فتح» بأنه لا يمكن أن تجري انتخابات رئاسية أو برلمانية في ظل الأوضاع الراهنة، وهو أمر صحيح.
الأمر يحتاج إلى مراجعة بناء شرعيات جديدة للمجلس المركزي، ولإطار عمل مؤسسات وأجهزة منظمة التحرير الفلسطينية لتضم كل الأطراف، مع عدم التركيز على ضرورة إلحاق حركتي «حماس» و«الجهاد» إلى إطار المنظمة إذ إنه من الواضح أن هذا الملف لا يحظى بقبول من حركة «حماس» في الوقت الراهن، لاعتبارات متعلقة بالأولويات للحركتين، ومناورة كل فصيل، وأن التذرع بالوضع الراهن لا يعني التسليم به في ظل إمعان إسرائيل لتكريس استراتيجية الأمر الواقع، وإضعاف السلطة وحجب تقديم المتحصلات الضريبة، والجمركية إضافة لقطع المساعدات المقدمة لمؤسسات السلطة من قبل الإدارة الأميركية واستخدامها كسلاح في مواجهة ما يجري من تجفيف منابع الضخ المالي للسلطة بهدف الاستمرار في سيناريو إضعافها على الأرض.