جولة ترمب... الرابحون والخاسرون!!

 

 

 

استقبل الرئيس الأميركي بحرارة وحفاوة أكثر من تلك التي استقبل فيها في ولايته الأولى عندما زار السعودية ودول الخليج عام 2017، وهذه الحفاوة هي نتيجة طبيعية (لتحالف النفط والقوة) الذي ابتدأ بين واشنطن والسعودية واستكمل لاحقاً بين واشنطن وبقية دول الخليج العربي،  فلقد وضعت البذور الأولى لهذا  التحالف عام 1945 في اللقاء التاريخي بين الملك عبد العزيز آل سعود مع الرئيس  الأميركي فرانكلين روزفلت  المنتصر وقتذاك في الحرب العالمية الثانية في البحيرات المُرة في قناة السويس على ظهر المدمرة الأميركية "كوينسي"، في ذلك  الوقت لم تكن "إسرائيل" موجودة على الخارطة لا السياسية ولا الجغرافية .

أعتقد أن ترامب في ولايته الأولى واليوم في ولايته الثانية يعيد من حيث يدري أو لا يدري هذا التحالف التاريخي ولكن في ظروف مختلفة أصبحت فيها "إسرائيل" لاعباً رئيسياً في الشرق الأوسط، لاعب تضخم حجمه وتحديداً في العقد الأخير وبعدما أحكم اليمين المتطرف بزعامة نتنياهو سيطرته على دولة الاحتلال،  ففي هذا العقد  كبل اليمين الإسرائيلي وهو "الابن الضال" كبّل "الأب الأميركي" العجوز العاجز والضعيف أمامه  على الرغم من  أن "دولة الاحتلال" تعد وبالحسابات سواءً المالية أو العسكرية أو الأمنية أو حتى الأخلاقية عبئاً كبيراً على واشنطن .

وبالعودة لجولة ترمب في المنطقة نجد أن إسرائيل ليست من بين الرابحين في هذه الجولة الترامبية ولكنها وبحكم العلاقات الاستراتيجية مع واشنطن لم تكن من الخاسرين مثلما هو حال  الشعب الفلسطيني الذي وبمجرد دخول طائرة ترمب أجواء المنطقة أوعز نتنياهو لقادة جيشه النازي  بزيادة القصف والتدمير في غزة بوتيرة غير مسبوقة وذلك لإيصال رسالة لترمب مفادها أنا لست (طوع يمينك) والدم الفلسطيني ليس محرماً لدي ولن تستطيع أن تحرّمه علي لا أنت ولا حتى قادة الخليج الذين ستلتقيهم في الرياض أو في عواصمهم، والمقال كُتب وترمب ومبعوثه للشرق الأوسط ستيف ويتكوف كانا قد غادرا المنطقة دون أدنى جهد باتجاه وقف المجازر بحق الغزيين ولا حتى لساعة واحدة باستثناء تلك الساعة التي تمت  خلالها عملية الإفراج عن الرهينة الأميركي عيدان الكسندر.

الأشقاء في الخليج كانوا هم هدف ترمب  من هذه الجولة وبالتأكيد هم أكبر الرابحين  وعقدوا صفقات ترليونية مع واشنطن في قطاعات استثمارية  مهمة كالطاقة  والذكاء الصناعي والتسليح العسكري وغيرها من القطاعات وهي لا تشكل خسارة لهم بأي حال من الأحوال لأنها ستعود عليهم بعوائد مالية مربحة بالإضافة إلى نفوذ سياسي  في العاصمة واشنطن ويمكن أن تم من اليوم التفكير الجدي لهذه الدول بتنظيم هذا النفوذ المالي ببنائه على أسس سياسية لخدمة العرب ومصالحهم في ظل عالم يتصارع بصورة وحشية، يمكن له أن يكون أكثر قوة  وبأضعاف من اللوبي الصهيوني الذي مازال يهيمن على الجالس في المكتب  البيضاوي.

بكل تأكيد إن أكبر الرابحين هي تركيا وبالمعية معها هو أحمد الشرع والنظام الجديد الذي يتأسس في سوريا، وهنا من المهم أن ننتبه إلى التحول الكبير في شكل الشرق الأوسط الذي أخذ يشكله طرفان إقليميان رئيسيان وهما السعودية وتركيا في ظل وجود الرئيس ترمب الداعم لهما (ليس الشرق الأوسط الذي تحدث عنه نتنياهو بتبجح ولم ير النور)، ومن المهم التوقف  هنا عند التحول الكبير في العلاقة بين الرياض وأنقرة بعد سبع سنوات "عجاف" على إثر قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في اسطنبول عام 2018، ومن المهم أن ننتبه إلى المفارقة الكبري في موضوع أحمد الشرع شخصياً وتنظيمه السياسي وكيف كان أحمد الشرع  وبتسميته  "أبو محمد الجولاني" وزعيم جبهة النصرة ثم رئيس هيئة تحرير الشام والذي كان مطلوباً لواشنطن وبمكافأة مالية قدرها 10 ملايين دولار من قبل  واشنطن إلى شخصٍ مهم يجلس مع دونالد ترمب لمدة عشرين دقيقة على هامش القمة الخليجية – الأميركية ويصفه ترمب بأنه شخص لطيف ورجل قوي ووعده برفع العقوبات عن سوريا.

بالنسبة لنا في الأردن لم نربح من هذه الجولة هذا صحيح ولكننا لم نخسر، غير أن الأهم لنا الآن هو "تحسس" واقعنا الجيوسياسي بعد هذه الجولة الترامبية والتي تستدعى منا استنهاض مصالحنا الوطنية العليا وترميم الشروخ التي مسّت وحدتنا الوطنية خلال الفترة الماضية وتعزيزها باتجاه أن تكون وحدتنا الوطنية هي القلعة المنيعة في وجه التهجير والوطن البديل.

 

 

 

Loading...