أليس الزمن الإسرائيلي!

 

 

 

الشرق الأوسط يتغير، وثمة انفجار في المنطقة، الانفجار في ذروته، "حين يبلغ ذروته، الموتى وحدهم لا يسقطون أرضاً"، فمن يسقط..؟؟، الحرب الاستباقية التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني إلى ما لا نهاية، ودونما حدود، وعدوانهم الوحشي دون رادع، ذبح منهجي منظم، تدمير، وتطهير عرقي غير موصوف في غزة، وقد انهارت معظم حواجز القانون الدولي، فجرائم الحرب التي يمارسها الكيان الإسرائيلي أمام أنظار العالم وبصمت عربي، تجد الحماية والتشجيع من امبراطورية القرن، بطائراتكم وقنابلكم قتلتم أطفال غزة، أنينهم يسقط كل الادعاءات الأخلاقية والقانون الدولي الانساني الذي بات يحتضر وهو عاجز عن أداء وظيفته لحمايتهم، الأمم المتحدة تتحدث عن عملية تطهير عرقي وقتل جماعي ونظام عنصري فالموضوع ليس مرتبط بتمرير غذاء وماء، ولكن بالصورة الأشمل هدنة انسانية ورفض ممارسات الاحتلال واقامة دولة فلسطينية حق طبيعي وقانوني وتاريخي للشعب الفلسطيني غير مرتبط بالمفاوضات وما يسمى "عملية السلام".

الولايات المتحدة الأمريكية التي تستخدم القيم للهيمنة بحاجة إلى تثبيت تموضعها القطبي، ووضع حد لتطلعات الدول الراغبة في مشاركتها قيادة العالم، ولكن العالم بوضع مختلف عما سبق، عملية التحول الدولي بدت واضحة، واذا لم تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية باستئناف عملية السلام سوف تتضرر مصالحها الاستراتيجية في الاقليم وهي تدرك ذلك وخاصة أنها وحلفائها تحتاج إلى الطاقة والنفط والموقف العربي لمواجهة الأقطاب الصاعدة، أمريكا برؤية كسينجر "قوة كونية تملك الوسائل المادية والقدرة على التدخل السريع في كل مكان وزمان، وهي وحدها تستطيع أن تفرض السلام".

مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ليست ملتقية بالضرورة في إيران وسوريا واليمن، ولكن هناك ما يشبه التطابق بين الموقفين الأمريكي والإسرائيلي حيال غزة والخلاف بينهما تكتيكي وشخصي بين موقف نتنياهو وحساباته الضيقة وترمب وصفقاته، "لا خلاف في القضايا الاستراتيجية" قالها وتيكوف، ولكن هناك تباينات في معالجة الملف الفلسطيني، طالما أن إسرائيل بقلب المعادلة نحن بحاجة إلى جهد عربي أكبر لاستخدام أوراق القوة في العالم العربي، فهل لدى العرب أوراق لمؤازرة غزة؟! نعم، ولكن ليس لديهم ارادة سياسية لتفعيلها، ويستطيعون أن يتفاوضون من موقع جيد إن شاءوا، نحن لا نتحدث عن خيارات عسكرية ولا دعم بالمال والسلاح ولا طرد سفراء وقطع علاقات ولا استخدام النفط، نحن نتحدث عن وقفة انسانية صلبة، لسنا بحاجة لجامعة عربية واطار عربي، يكفي 4 أو 5 دول عربية "فرض كفاية" تتفق على موقف موحد وجاد بأن "التجويع خط أحمر"، حالياً القضية الأكثر حسماً للجميع هو ادخال المساعدات الانسانية لشعب يتضوع جوعاَ ووقف اطلاق النار وفتح المعابر، وقرار إيقاف الحرب وفك الحصار عند ترمب وهذا القرار لن يتخذ مالم يتوفر نية وجهد عربي منظم وجماعي للضغط عليه، ترمب يجب أن لا ينتظر الكثير من العرب مالم يتم العمل على ادخال المساعدات وايقاف الحرب، على الأقل تجميد التطبيع، الضعف العربي سمح لترمب انعاش الاتفاقات الابراهيمية والتطبيع بشكل كامل مع برابرة القرن وأخرها مع السعودية، ظناً منه أنه يستطيع تهمش القضية الفلسطينية، رغم الحذر السعودي من مسالة التطبيع المجاني خاصة في ظل المذابح والتجويع التي تتعرض له غزة، ربط التطبيع بإقامة دولة فلسطينية، فالموقف السعودي الرسمي الجامع يعي المسؤولية الكاملة عن المصير المرير الذي قاساه الشعب الفلسطيني منذ نكبة48.

أربع قمم للجامعة العربية عقدت منذ طوفان الأقصى، الأولى في الرياض، ثم القاهرة، والبحرين حملت عناوين رئيسية عربية اسلامية، واستثنائية، وعادية، وأخيراً قمة تنموية في بغداد، عدد جديد في دوراتها 34 ليس إلا، بتمثيل منخفض، حضرها خمس من الرؤساء العرب وغياب 17، مما يعكس الأولوية لهذه المنظومة الاقليمية التي تعتبر أقدم منظمة دولية على الاطلاق، خرجت بنفس المخرجات لا بل التأكيد عليها، متزامنة مع الذكرى 77 عاماً على النكبة الفلسطينية، وتعرض قطاعها لغارات بوتيرة عالية جداً في حربها المستمرة، غزة بين نكبتين، وإسرائيل لا تعنيها العرب وقممهم، هل نجحت القمم السابقة في اغاثة غزة حتى نتفاءل بنتائج قمة بغداد؟؟، غزة كانت في قلب النقاشات وفي قلب البيان الختامي لهذه القمم، ولو على المستوى اللفظي، هذا هو حال الموقف العربي، قمة الرياض بدأت بعد شهر من حرب غزة، وأُخذت قراراً للتعامل مع الملف الانساني من 57 دولة عربية واسلامية بكسر الحصار وادخال المساعدات الانسانية، ومع ذلك لم تدخل شاحنة واحدة دون موافقة إسرائيلية، صدق أبو الغيط ونحن نعيش راهناً، أزمات سوريا والعراق واليمن والسودان وليبيا ولبنان، "أن نجاح القمة في التئامها، واجتماع قادتها هو الانجاز"، دلالة على بؤس حالة الاجماع العربي أليس الزمن الإسرائيلي؟!، مخرجات هذه القمة ستبقى حبر على ورق كما سابقاتها، اتخاذ قرارات وعجز في تنفيذها، لا تترك أثراً في تقرير سياسات الدول الأعضاء، وكل دولة تنتهج في اليوم التالي ما تراه من مواقف وسياسات تناسبها، بهدف البحث عن نفوذ أو تأثير ودعم أطراف فلسطينية قريبة منها، والتأثير على الصراع الفلسطيني الاسرائيلي برمته بصورة منفردة، لذلك ليس للعمل العربي المشترك أي أليات يتخذها من أجل انفاذ قراراته، قرارات أقرب إلى المناشدات والادانة، ولكأن العرب ليسوا فاعلاً في قضية قيل أنها قضية العرب المركزية الأولى، وخاصة بعد أن انخفض السقف العربي والدولي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وشروط حلها.

الإبادة النازية في غزة، أنين الأطفال القتلى والجوعى أيقظ ضمائرهم، فبدأت الأصوات تتعالى في فرنسا وبريطانيا وكندا، انقلاب في رؤية الاتحاد الأوروبي تجاه إسرائيل تنديد وتهديد بقطع العلاقات، مالم توقف الهولوكست الفلسطيني الذي وضع التراجيديا الفلسطينية في الضوء، لابد من دولة فلسطينية، فرنسا والسعودية دعتا إلى مؤتمر دولي في نيويورك منتصف حزيران من أجل خارطة طريق لإقامة دولة فلسطينية، ولكن ترمب لا يحرك ساكناُ تجاه غزة، وان كان ما يتردد في الظل أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان لم يكونا ليطرحا مؤتمر دولي لولا الضوء الاخضر من واشنطن، إسرائيل لا تريد هذه الدولة لأن اقامة دولة فلسطينية يشكل النقيض التاريخي للحركة الصهيونية وبالتالي تغيير جوهري من طبيعة إسرائيل وأهدافها، من فلسطين بدأ الصراع ومنها ينتهي، ماذا سيفعل نتنياهو الذي توعد بتغيير الشرق الأوسط، ربما يتوعد بإزالة الشرق الأوسط وربما بإزالة العالم!  

 

Loading...