إن عقدة النقص الناتجة عن الاضطهاد و" المظلومية " تحفر عميقاً في وجدان الإنسان وعقله الباطن، وعاجلاً أم آجلاً ستتفجر هذه العقدة المركبة على شكل سلوكٍ قاسٍ قد لا يفهمه المصاب بهذه العقدة ولكنه سواءً كان مدركاً لأسباب قسوته أم لا، يسارع إلى تبرير تلك القسوة بأعذار وحجج تكون أكثر قسوة من تلك التي تعرض لها، وفي الأغلب يتغطى هذا العقل بنوعين من "الأغطية والذرائع" وهما إما ذريعة دينية - عقائدية، وإما ذريعة ذات طابع عنصري مستمدة من القوة التي جُمعت من مظلوميته وضعفه عبر زمن طويل، وهذه هي حالة "اليهود الصهاينة" الذين أسسوا مشروعهم الاستعماري على حساب اضطهاد وسرقة أرض شعب آخر هو الشعب الفلسطيني الذي لم يضطهدهم ولم يسرق أرضهم فيما يقوم هذا العقل "المريض" بالتحالف مع من اضطهده ومارس بحقه الاحتقار والطرد والتنكيل، وأكبر مثال على هذه المسلكية الشاذة ما جرى لليهود في انجلترا، ففي العشرين من يوليو عام 1189 تم تتويج الملك ريتشارد الأول ملكاً وقرر منع اليهود والنساء من حضور مراسم التتويج وعلى الرغم من ذلك، حضر بعض قادة اليهود مقدمين له الهدايا وفقاً للمؤرخ الشهير رالف ديكيتو، وقام أتباع ريتشارد بضرب وجلد اليهود وتجريدهم مما بحوزتهم ومن ثم طردهم إلى الخارج، ووقتذاك انتشرت شائعة تقول بأن ريتشارد قد أمر بقتل جميع اليهود فقام سكان لندن بارتكاب مجزرة بحقهم وتعرض الكثير منهم للضرب حتى الموت، كما حرقت بعض أحيائهم وهدمت العديد من منازلهم، وتعرض بعضهم للتعميد قسراً الأمر الذي دفع أعداداً منهم للهروب إلى الخارج للحفاظ على حياتهم، وقبل هذه الواقعة أصدر الملك ادوارد الأول في عام 1290 قراراً بطرد كل اليهود من إنكلترا، واستمرت فعالية هذا القرار طوال العصور الوسطى وألغي بعد أكثر من 350 عاماً أي في عام 1656 ولم يكن قرار ادوارد الأول قراراً استثنائياً بل حصيلة أكثر من 200 سنة من سوء المعاملة والقسوة لليهود.
أوردت المثال عن انجلترا بشكل خاص لأنها تورطت في سرقة أرض فلسطين وأطلق وزير خارجيتها “آرثر بلفور “وعهده الشهير بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وذلك في سياق التخلص منهم وهو موضوع له الكثير من الأسباب ولا مجال لشرحها في هذا المقال، كما أوردت هذه المقدمة لإظهار كيف قام اليهود الصهاينة في أوروبا بتعويض عقد اضطهادهم واحتقارهم من خلال اضطهاد شعب آخر وسرقة أرضه.
هذا هو أحد الأبعاد في تفسير عقدة النقص والمظلومية في الشخصية اليهودية – الصهيونية وهو البعد التاريخي والاجتماعي، أما البعد الأخطر فهو البعد الديني – التوراتي حيث غرست اليهودية – التلمودية في عقل "اليهودي" وكنوع من التعويض عن النقص والضعف في مرحلة ما قبل التاريخ "أكاذيب التميز والتفوق" واختراع مبررات إلغاء الآخر أياً كان واضطهاده وقتله ومن الأمثلة على ذلك (في سفر الخروج " فقال الرب لموسى: اكتب هذا تذكاراً في الكتاب، وضعه في مسامع يشوع لأني سوف أمحو ذكر عماليق من تحت السماء.. الرب حرب مع عماليق من دور إلى دور" انتهى النص، في التفسير يعنى أن الحرب مع عماليق أي العرب والفلسطينيين بشكل خاص أمر إلهي دائم ليس له نهاية زمنية ونهايته هي القضاء المبرم عليهم.
وتقول التوراة في سفر صموئيل الأول "هكذا يقول رب الجنود: لقد افتقدت ما عمله عماليق بإسرائيل حين وقف له في الطريق عند صعوده من مصر، فالآن إذهب واضرب عماليق وحرموا كل ما له، ولا تعف عنهم، بل اقتل رجلاً وامرأة، طفلاً ورضيعاً، ثوراً وغنماً، جملاً وحماراً" انتهى النص... ألا تلاحظون أن هذا تماماً ما يجري في غزة الآن؟؟ هذا هو المعنى العملي للإبادة الجماعية، التي يمارسها الاحتلال بتكليف وأمر من الرب!!
والسؤال هل يعقل أن يكون هذا أمر إلهي؟؟ في الوقت الذي يخلو الإسلام من مثل هذه الدعوات وكذلك المسيحية وحتى البوذية والزردشتية.
من هنا نستطيع تفسير دعوة رندي فاين عضو الكونغرس بقصف قطاع غزة بقنبلة نووية، والذي يُعرف نفسه بأنه يهودي – صهيوني، وقبله اقترح ذات الفكرة الوزير الإسرائيلي المتطرف عميحاي إلياهو.
هذه هي دولة الاحتلال وهذه جذورها الفكرية والدينية وهذه ممارساتها الوحشية.