الضربة الأوكرانية في العمق الروسي، هل تُنتج تصعيداً استراتيجياً يهدد بتوسيع رقعة الصراع؟

 

 

 

في تطوّر نوعي وخطير في الحرب الأوكرانية بالوكالة ضد روسيا، وعلى وقع تصاعد نفوذ النازيين الجدد في كييف والدعم الغربي المتزايد لهم، أفادت تقارير إعلامية بتعرض أربع قواعد عسكرية روسية لهجوم منسّق بطائرات دون طيار. الهجوم أدى إلى تدمير ما يقارب ٤٥ قاذفة استراتيجية، وهي من بين أهم الأدوات العسكرية التي تعتمد عليها موسكو في شن ضرباتها البعيدة ضد أوكرانيا.

اللافت في الروايات المتداولة أن العملية نُفذت عبر مجموعة مُسيرات تم تهريبها إلى داخل الأراضي الروسية، وجرت، حسب بعض المصادر الإعلامية، بتنسيق مسبق مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب. إن صحت هذه المعلومات، فإنها تمثل نقلة خطيرة في طبيعة الانخراط الأمريكي المباشر في الحرب، وتكشف عن رغبة واشنطن في إعادة صياغة علاقتها مع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا على قاعدة عداء متجدد لروسيا، وسعي لاستنزافها.

هذه ليست مجرد عملية عسكرية تقليدية، بل تمثل تحولاً في قواعد الاشتباك التي سادت خلال مراحل الحرب السابقة، بما يتفق مع الرؤية الاستراتيجية للولايات المتحدة في وسط أوروبا، وهي الرؤية التي تحدث عنها مبكرا زبيغنيو بريجينسكي، مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، حتى قبل سقوط الاتحاد السوفيتي. إن الدخول إلى العمق الروسي بهذا الشكل غير المسبوق، وتكبيد موسكو هذه الخسائر النوعية يعيدان رسم مشهد الحرب بالكامل ويقلبان موازين الردع.

في تقديري، فإن الرسالة واضحة لمحاولة إبراز ان روسيا لم تعد قادرة على تأمين جبهتها الداخلية، وأوكرانيا وبدعم غربي مباشر، باتت تملك القدرة على نقل المعركة إلى عمق الأراضي الروسية. أما إذا صحت التسريبات التي تتحدث عن تورط مباشر لإدارة ترمب، فإننا نكون أمام بوادر مواجهة مفتوحة ليس فقط بين موسكو وكييف، بل بين روسيا والولايات المتحدة ولو عبر وسائل غير تقليدية.

وتُعد خسارة هذا العدد الكبير من القاذفات الاستراتيجية ضربة قاسية لسلاح الجو الروسي، خصوصا أنها جاءت في لحظة حساسة من مسار الحرب، حيث تسعى موسكو للحفاظ على تفوقها الناري في ظل تراجع زخم العمليات البرية.

إن تأثير هذه الضربة لا يقتصر على حدود أوروبا الشرقية فحسب، بل إن العالم اليوم تحكمه معادلات استراتيجية مترابطة، ومن المرجح أن نرى انعكاسات مباشرة في منطقتنا بالشرق الأوسط، التي لطالما كانت ساحة جانبية لتصفية الحسابات الكبرى. ويبرز ذلك اليوم بوضوح في ظل مشروع أمريكي إسرائيلي يستهدف تنفيذ ما يُعرف بـ “الشرق الأوسط الجديد"، والذي يتضمن تصفية القضية الوطنية التحررية لشعبنا الفلسطيني.

علاوة على ذلك، فإن الملف الإيراني وعلاقة روسيا به، قد يُعيد خلط الأوراق في منطقة الخليج، ويدفع موسكو إلى إعادة تموضعها الجيوسياسي هناك لتعويض ما قد تفقده من مكانة استراتيجية في أوروبا. هذا التحوّل إن حدث، سيؤثر على توازنات أمن الخليج والمنطقة الأوسع، خصوصا في ظل التنافس المحموم بين المحاور الدولية اليوم في ظل المتغيرات الجارية لتغيير طبيعة النظام الدولي الأحادي المهيمن.

اقتصاديا، فإن أسواق الطاقة في المنطقة لن تكون بمنأى عن التوترات، خصوصا إذا لجأت روسيا إلى استخدام ورقة الغاز والنفط كوسيلة للضغط على الغرب. مثل هذا التطور قد يؤثر بشكل مباشر على أسعار الطاقة العالمية، ويهدد استقرار الممرات التجارية والبحرية ما ينعكس بدوره على اقتصادات الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء.

باعتقادي، نحن إذا أمام تحول استراتيجي خطير قد يفتح أبواب المجهول. موسكو التي تعتبر هذه الهجمات إهانة مباشرة لهيبتها ومكانتها، لن تصمت طويلا. ومن المرجح أن تفكر في الرد بوسائل غير تقليدية، سواء عبر الهجمات السيبرانية، أو ضربات انتقامية في العمق الأوكراني، كما بدأ فعليا الليلة الماضية، أو حتى بتوسيع رقعة الصراع خارج أوروبا.

أما واشنطن، فإن كانت إدارة ترامب قد قرّرت الانتقال إلى التصعيد المباشر بدلا من سياسات الخداع السياسي التي يمارسها ترامب في خطاباته حول حل الأزمات الدولية، فإننا نكون أمام سياسة أمريكية مباشرة أكثر عدوانية مما سبق، وقد تُدخِل العالم في مسار جديد من التوترات الدولية، يُضاف إلى رهانات داخلية وخارجية محفوفة بالمخاطر.

وبالتالي، فإن الضربة التي تعرضت لها روسيا ليست مجرد خسارة عسكرية، بل هي ضربة سياسية وأمنية واستراتيجية، وقد تشكّل نقطة تحوّل في طبيعة الحرب الدائرة منذ أكثر من عامين ضد أمن روسيا القومي. ومع استمرار جولات التفاوض بين موسكو وكييف والتي تتجدد اليوم في إسطنبول، تبقى كل السيناريوهات مفتوحة.

لكن ما يجب الانتباه له هو أن الشرق الأوسط لن يكون بعيدا عن تداعيات هذا التحول. بل قد يعود من جديد ساحة لتسويات الكبار أو لحروبهم بالوكالة، في ظل هذه الغطرسة الأمريكية المستمرّة.

فالحروب الكبرى لا تبقى محصورة في جغرافيا واحدة، بل تنتشر كالنار في الهشيم. وما جرى داخل روسيا أمس، قد نجد ارتداداته غدا في بؤر نزاع مختلفة في عالمنا العربي او حول العالم، ما يتطلب يقظة استراتيجية ورؤية سياسية بعيدة عن الاصطفافات السطحية التي لا تخدم قضايا شعوبنا باستمرار اللهث خلف سراب الوعود الأمريكية وخداعها وهو ما يتمثل ايضا من جانب أخر بوثيقة ويتكوف التي تعتمد الرؤية الاسرائيلية بشكل كامل.

 

 

 

Loading...