مقالات مختارة

تأجيلُ مؤتمرِ سلامٍ مؤجَّلٍ | بكر عويضة

 

 

 

بعدما كانت مراكز صنع القرار في عواصم عدة في مختلف أنحاء العالم تتطلع إلى مؤتمر «حل الدولتين»، الذي كان من المقرر أن يلتئم في نيويورك اليوم (الأربعاء)، برعاية سعودية - فرنسية، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجمعة الماضي، تأجيل المؤتمر مع تأكيد أمرين؛ أولهما أن الانعقاد سيتم «في أقرب وقت ممكن»، وثانيهما «التصميم على الدفع قُدماً باتجاه حل الدولتين». بدءاً، يجب تقدير جهد الرياض وباريس إزاء التأكيد المستمر على حقيقة أن إنجاز السلام في إقليم الشرق الأوسط هو أمر مرتبط بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على أساس عملي، بمعنى أنها ستكون قابلة للحياة، رغم إمكاناتها الاقتصادية المحدودة، إلى جانب إسرائيل بوصفها دولة تتمتع بإمكانات تُقاس أحياناً بما تمتلك دولٌ أقوى منها وأقدم كثيراً، كمجموعة السبع.

المتابعون لمختلف محاولات إنهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، يدركون كذلك أن الجهد السعودي - الفرنسي، يستند إلى مشاريع عدة سبقت مبادرة البلدين، واستندت هي أيضاً إلى كثير من القرارات الدولية الدافعة في الاتجاه ذاته. لِماذا العرقلة، إذنْ، وما مصلحة أطرافها المصممة على الدفع دائماً في اتجاه تأجيل تحقيق السلام على أرض هذه المنطقة من العالم؟ افتراضاً، يمكن القول إن طرفي مسلسل الإطلاق المُتَبادَل للصواريخ، الذي بدأ قبل أيام؛ أي إيران وإسرائيل، يتصدران قائمة تلك الأطراف. هذا الافتراض ليس من قبيل الإنشاء اللغوي فقط، فسجلات التاريخ الموثَّق لمراحل عدة مرَّ بها هذا الإقليم، تشير إلى تورط أصابع الطرفين عندما يتعلق الأمر بتعطيل مسارات السلام، ووضع العقبات على طريق أي محاولة تفاوض فور أن تبدأ.

اللافت، والمدهش في الآن نفسه، أن تختار واشنطن سلوك أسلوب التعطيل ذاته، رغم أن السياسات المُعلنة لمختلف الإدارات الأميركية، دعت باستمرار إلى التعايش العربي - الإسرائيلي، وبينها من رأى أن تطبيع علاقات العرب جميعاً مع تل أبيب، أولاً، هو الطريق إلى السلام، مع أن المنطق يقول بالعكس تماماً، إذ كيف للتطبيع بين أي طرفين في العالم ككل، بصرف النظر عن العرب وإسرائيل، أن يسبق التوصل إلى سلام بينهما؟ ما تقدم يجب ألا يعني إغفال الجهد الذي بُذل من جانب إدارتَي الرئيسين جيمي كارتر وبيل كلينتون، والذي أوصل في عهد الأول إلى معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، وإلى اتفاقية وادي عربة بين إسرائيل والأردن، في عهد الثاني، وكاد يحقق إنجازاً تاريخياً على صعيد فلسطيني - إسرائيلي من خلال مساعي كلينتون المكوكية بين ياسر عرفات وإيهود باراك.

أختم بِعَوْدٍ على بدء، يبدو أن السلام الفلسطيني - الإسرائيلي مؤجَّل حتى أجل غير محدَّد. وربما لهذا السبب لم يستطع زعيم تمتع بشعبية ياسر عرفات فلسطينياً، ومكانته عربياً ودولياً، أن يلمس أهمية التزام كلينتون بوعد إعلان قيام دولة فلسطين المستقلة، بنفسه، من منبر الأمم المتحدة. تُرى، لو أن هذا حصل فعلاً، فأقدم أبو عمار على «سلام الشجعان»، كما كان يصفه، هل كان الحال الفلسطيني سيصبح الذي عليه الآن؟ كلا، بالتأكيد، مع الاحترام لكل جواب مختلف.

 

 

 

Loading...