إسقاط عضوية عودة من الكنيست تعرية "للديمقراطية" الإسرائيلية

 

 

 

توصية اللجنة البرلمانية الإسرائيلية بإسقاط عضوية النائب العربي أيمن عودة من الكنيست بتهمة "التحريض" و"عدم الولاء" تعكس عمق الأزمة السياسية والقيمية داخل النظام السياسي الإسرائيلي. وتتزامن التوصية، التي ستصوّت عليها الهيئة العامة للكنيست بعد نحو ثلاثة أسابيع، مع مطالبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (المقترنة بالتهديد)، بوقف محاكمة بنيامين نتنياهو في قضايا الفساد والعفو عنه، لإنهاء الحرب على غزة، لتمهيد الطريق لانضمام دول عربية إلى قافلة التطبيع مع إسرائيل. تكشف هذه التطورات مجتمعة مزيدًا من صورة قاتمة عن حقيقة "الديمقراطية" الإسرائيلية. وإن دعوة ترامب لوقف محاكمة نتنياهو والعفو عنه ما هي إلا رسالة ضمنية تقوّض ما تبقى من صورة القضاء الإسرائيلي المستقل، حيث نقلت عنه صحيفة جروزاليم بوست قوله: "هذه ليست ساعة لتقسيم إسرائيل بمحاكمة رئيس وزرائها، بل لتتحد إسرائيل لمحاربة الإرهاب". وفي حال استجابت إسرائيل لهذا الضغط وأسقطت التهم عن نتنياهو، فلن يكون هناك معنى لتباهيها بقضاء مستقل، بل سينكشف أنه كان مجرد أداة سياسية بواجهة قانونية.

إن قراراللجنة البرلمانية لإقصاء أيمن عودة من عضوية الكنيست بذرائع "دعم الإرهاب" أو "نزع الشرعية عن الدولة" ليس الأول ولن يكون الأخير في سياق السياسة الإسرائيلية لإقصاء الصوت العربي المطالب بحقوق الفلسطينيين المدنية والمعارض لسياسات حكومات إسرائيل المتعاقبة. ففي العام 2007 اتُّهم عزمي بشارة بدعم "منظمة إرهابية" وتقديم مساعدات لحزب الله خلال حرب لبنان الثانية، ليستقيل من الكنيست ويغادر إسرائيل قبل تقديم لائحة اتهام رسمية ضده. كما تعرض محمد بركة لمحاولات متكررة لإقصائه خلال سنوات عمله البرلماني بسبب مشاركته في نشاطات اعتُبرت تحريضًا ضد إسرائيل، وكذلك حنين الزعبي التي جُردت مرارًا من بعض صلاحياتها وواجهت محاولات لإقصائها.

وكان نواب يمينيون ومسؤولون حكوميون قد حرّضوا على عودة ودعموا بشدة إقصاءه من الكنيست، منهم النائبة ميري ريغيف (ليكود) التي قالت للقناة 12: "مكان عودة ليس في الكنيست، بل في رام الله أو غزة. من يخون جنودنا في الحرب لا يستحق أن يمثل أي مواطن". في حين قال الفاشي بن غفير في تصريحات لإذاعة الجيش: "هذه مجرد البداية، يجب تنظيف الكنيست من الطابور الخامس"، وصرح وزير القضاء ياريف ليفين لصحيفة يديعوت أحرونوت: "على الكنيست أن يحمي نفسه من النواب الذين يستغلون الحصانة البرلمانية لتقويض الدولة من الداخل". ومن الجلي أن القرار لا يستهدف شخص عودة فحسب، بل يعكس توجهًا عامًا لإقصاء أي صوت فلسطيني معارض في الداخل، أو بكلمات صحيفة هآرتس في افتتاحيتها: "إذا صودق على إسقاط عضوية عودة، فسيكون ذلك دليلاً إضافيًا على أن الديمقراطية في إسرائيل هي ديمقراطية لليهود فقط".

إن أيمن عودة وزملاءه الأعضاء العرب في الكنيست يمثلون نحو 20% من سكان إسرائيل — المواطنين الفلسطينيين الذين ظلوا يعانون من التمييز منذ 1948. وإسقاط عضويته يعني عمليًا إعلان إسرائيل أن هؤلاء المواطنين خارج المشروع السياسي الإسرائيلي، كما عبر عن ذلك الصحفي أورن زيف في مجلة (+972) بقوله: "هذه لحظة فارقة، فهي تعني أن ولاء المواطنين الفلسطينيين أصبح شرطًا لدخول البرلمان، وأن أي معارضة حقيقية ستواجه بالإقصاء". وإذا ما تم فعلاً إسقاط عضوية عودة من قبل الهيئة العامة للكنيست، فإن المعنى الوحيد لذلك هو أن الكنيست ليس مفتوحًا سوى لمن يقبل شروط اللعبة الصهيونية بالكامل!

وكما للأدوية آثار جانبية، فإن قرار عزل عودة له تداعيات على المشاركة السياسية للفلسطينيين في الداخل. إذ إن مثل هذه الخطوة قد تدفع قطاعات واسعة من الناخبين العرب إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة، باعتبار أن البرلمان لم يعد يمثلهم فعليًا. وإذا انخفضت نسبة التصويت في صفوف العرب — التي كانت تاريخيًا عاملًا حاسمًا في ترجيح كفة بعض الكتل — فإن ذلك سيمنح اليمين الإسرائيلي فرصة أكبر لتعزيز قبضته على السلطة. وبالنتيجة، فإن إقصاء عودة سيكون رسالة واضحة للعرب: "لا مكان لكم"، مما يعني احتمالًا كبيرًا لأن تقاطع الجماهير العربية الانتخابات المقبلة. وعليه، سوف نشهد كنيستًا أكثر تطرفًا مع غياب شبه كامل للتمثيل العربي المؤثر، وهذا سيجعل من الكنيست ميدانًا حصريًا لصراع اليمين واليمين المتطرف، ويعمق من عزلة الفلسطينيين في إسرائيل. ومن جهة أخرى، فإن المقاطعة قد تنزع عن إسرائيل الغطاء الديمقراطي الذي كانت تستند إليه أمام المجتمع الدولي لتبرير سياساتها ضد الفلسطينيين، إذ ستغيب الأقلية العربية عن المشهد السياسي طوعًا أو قسرًا.

إن ما نشهده من محاولة لإقصاء عودة، بالتزامن مع محاولات طمس ملفات فساد نتنياهو، يكشف أن الديمقراطية الإسرائيلية مشروطة بولاء مطلق للمنظومة الصهيونية. وأي خروج عن هذا الولاء، سواء كان موقفًا أخلاقيًا من الحرب أو نقدًا للفساد، يُقابل بالإقصاء. وإن إسقاط عضوية عودة، إن تم، لن يكون سوى دليل إضافي على أن إسرائيل تمضي في طريق "ديمقراطية الإثنية"، حيث تُقاس الحقوق بدرجة الانتماء العرقي والسياسي، لا بمبادئ المواطنة المتساوية.

 

 

 

 

Loading...