نتنياهو وترمب.. وماذا بعد تدمير غزة؟

يظل من الخطأ الجسيم المراهنة على أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية قد تشهد خلافات جوهرية فيما يتعلق بالقضايا الرئيسية في المنطقة، أو أن واشنطن يمكن أن تضغط على إسرائيل في أي قضية تتعلق بأمنها القومي طبقاً لوجهة النظر الإسرائيلية، ومن ثم علينا أن نبني حساباتنا في المرحلة المقبلة على أن هذا الأساس القائم في العلاقة بين الدولتين سوف يكون أكثر قوة وفاعلية عما ذي قبل.

ومن هذا المنطلق أود أن أشير فقط إلى الحرب الإسرائيلية على غزة كنموذج لهذه العلاقة، حيث إن تلك الحرب التي تجاوزت كل المعايير القانونية والإنسانية في التاريخ الحديث بلورت بشكل عملي مدى عمق العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، ويكفى أن أشير هنا إلى أن الولايات المتحدة لم تبذل طوال عشرين شهراً سوى القليل من الجهد الجاد لوقف الحرب، ولم تنجح في تحقيق الهدنة طوال هذه الفترة سوى لستة أسابيع فقط رغم أنها القوة العظمى التي تملك وحدها التأثير على إسرائيل، وفى رأيي أن واشنطن لم تكن لديها إرادة سياسية لإنهاء الحرب انتظاراً لموقف إسرائيل بهذا الشأن. ومع التقدير الكامل للمواقف التي أعلنها الرئيس ترمب بشأن السلام والاستقرار في العالم ونجاحه في حل بعض القضايا، إلا أنى أرى أن الجهد الغائب الذي لم يرغب أن يتعرض إليه حتى الآن تمثل في تجنب التعامل الجاد مع القضية الفلسطينية، بل وأبعدها عن أن تكون واحدة من اهتماماته، والسؤال هنا هل تمتلك الإدارة الأمريكية رؤية لحل هذه القضية لم تفصح عنها بعد؟ أم أنه ليست لديها أي رؤى وتترقب تطورات الأوضاع في المنطقة؟ وأتمنى على المستوى الشخصي أن تطرح واشنطن أو حتى تل أبيب رؤيتهما لحل القضية ولكن بعيداً عن الصفقات المشبوهة والمرفوضة.

وفى ضوء الزيارة التي سيقوم بها نتنياهو لواشنطن خلال اليومين المقبلين أرى أن هناك أربع قضايا مهمة سوف تكون مجالاً للبحث المشترك بين الدولتين أولاها العلاقات الثنائية على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وثانيتها كيفية التعامل مع إيران خلال المرحلة المقبلة، خاصة بالنسبة لمستقبل برنامجها النووي، وثالثتها حرب غزة واقتراب إعلان هدنة أخيرة قبل إنهاء الحرب، أما القضية الرابعة والأهم فهي مستقبل الشرق الأوسط ووضعية إسرائيل المتوقعة، وذلك في ضوء المتغيرات التي مرت بها المنطقة منذ نحو عامين. ورغم قناعتي بأن واشنطن لديها خبراء متميزون في شئون المنطقة إلا أنه من واجبى أن أتطرق إلى مجموعة من النقاط التي يجب عليها أن تضعها في اعتبارها وهي تتعامل مع منطقة تشهد تطورات غير مسبوقة، وهي:

- إن أي نجاح حقيقي للسياسات الأمريكية في المنطقة لن يتحقق إلا في حالة التوصل لحل عادل لقضية الشعب الفلسطيني.

- ضرورة عودة واشنطن لممارسة دورها السابق الذى منحها قدرا كبيرا من التأييد العربي الرسمي والشعبي، بحيث تكون شريكاً كاملاً فيما يتعلق بحل القضية الفلسطينية، والتخلي جزئياً عن الدور المتحيز لإسرائيل.

- إن إدماج إسرائيل في المنطقة لن يتم بالشكل الذى ترغب فيه واشنطن وتل أبيب دون حل القضية الفلسطينية مهما تحرك قطار التطبيع.

- إن مخطط تهجير سكان غزة إلى مصر أمر مرفوض تماماً، ويجب على واشنطن أن تحذفه من أي مضبطة، بل عليها أن تحذر إسرائيل من مغبة أي محاولة لتنفيذ هذا المخطط، خاصة مع التزام مصر بمعاهدة السلام مع إسرائيل.

- إن تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع بعض الدول العربية مستقبلاً قد ينجح ولكنه سيكون مجرد تطبيع رسمي، من الصعب أن يكتب له الاستمرار في ظل المتغيرات الجديدة.

وهنا أصل إلى النقطة الأهم وهي ما هو المطلوب من الولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة، وفى هذا المجال أرى الآتي:

- إن التوصل إلى هدنة في غزة أو حتى إنهاء الحرب تماما أمر ضروري ولكنه ليس هو الهدف الذى سيؤدى إلى حل القضية الفلسطينية، وإنما هو وسيلة لوقف حرب الإبادة والتجويع والانتقال للمرحلة الأهم.

- إن اليوم التالي للحرب لا يعنى توفير ضمانات الأمن لإسرائيل وحدها رغم أهميته، ولكن لابد أن يوازى ذلك تحرك جاد لحل القضية الفلسطينية وتوفير الأمن للفلسطينيين.

- تجنب اتخاذ واشنطن أو تل أبيب أي قرارات بفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية أو على أجزاء منها، حيث إن ذلك سيكون إعلان مرحلة جديدة من الصراع الأعنف قد يفوق حرب غزة.

- إتاحة الفرصة أمام تنفيذ عاجل للخطة المصرية العربية لإعادة إعمار غزة وتقديم كل المساعدة الممكنة في هذا الشأن.

- طرح مبادئ رئيسية مقبولة تمنح الفلسطينيين حقهم في إقامة دولتهم بأكثر قدر من الضمانات الأمنية للجميع، على أن يتقرر ذلك من خلال مفاوضات تبدأ خلال الأشهر القليلة المقبلة تحت الإشراف الأمريكي. وفى ضوء ما سبق أتوجه بالسؤال إلى الإدارة الأمريكية وهو هل توسيع الاتفاقات الإبراهيمية من حيث العدد دون حل القضايا الرئيسية هو الهدف الذي سيحقق المصالح الأمريكية وإدماج إسرائيل في المنطقة؟ أم أن الأهم لواشنطن هو حل القضايا العالقة، وتحديداً القضية الفلسطينية أولاً حتى تكون البيئة الإقليمية أكثر ملاءمة لتوسيع هذه الاتفاقات على أسس قوية، ولكن بما يحافظ على سيادة واستقلالية ومصالح دول المنطقة. وكلمة أخيرة أرسلها إلى صانعي القرار في واشنطن مفادها أن عليهم أن يعلموا أن هناك فارقاً جوهرياً بين الحفاظ على استراتيجية العلاقات الأمريكية مع دول المنطقة، وهو أمر مطلوب ومرحب به، وبين محاولات السيطرة على المنطقة بالقوة أو بفرض سياسات أمريكية وإسرائيلية مرفوضة سوف يكون مصيرها الفشل التام، فالشرق الأوسط ليس مجرد مساحة من الأرض الجرداء، ولكنه منطقة إستراتيجية متفردة أكد التاريخ أنها لم ولن تنطوي بسهولة.

 

Loading...