على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي لا يسمح بالحصول على كافة التفاصيل، فإن التقارير المأساوية بشأن مزيد من حالات انتحار، أو محاولة انتحار جنود، يجب أن تحظى بتعبير أكثر وضوحاً في الخطاب العام، ولا سيما عندما نفكر في الأسباب التي تستدعي إنهاء الحرب في غزة. إن الأسباب المركزية لضرورة وقف الحرب واضحة: إنقاذ مَن تبقى من المخطوفين، والحيلولة دون مقتل مزيد من الجنود، وأيضاً يجب القول إنها يجب أن تتوقف من أجل تفادي القتل المتواصل في غزة، الذي يعرّض أمننا للخطر، إذ ستتسع دائرة العداء بسبب رغبة الأجيال القادمة في الانتقام.
وعلاوةً على الأسباب "الكبيرة" لوقف الحرب، هناك أيضاً أسباب أصغر، لكنها لا تقلّ أهميةً. فالجهد الجسدي والنفسي الهائل الذي يبذله الجنود الذين ما زالوا مجنّدين في الحرب، وكذلك تعرُّضهم اليومي للخطر، ولمشاهد الدمار، وللسكان البائسين في غزة، يثقل كاهل الأرواح. وسيدفع الثمن جيل مسحوق من الشباب الإسرائيليين الذين سيخرجون مصدومين، وهو ما سيؤثر في المجتمع بأسره. حتى إن الإسرائيليين الذين لا يخدمون في الجيش مرّوا بما يقارب عامين صعبَين، رافقتهما قصص فظائع عن المقتولين والمخطوفين، والصواريخ، وفترة متوترة. صحيح أن بعض شركات الطيران عادت إلى نشاطها المعتاد، وكثيرون يستغلون الصيف لقضاء الإجازات في الخارج، إلّا إن مجرد العيش تحت تهديد إلغاء كلّ عطلة ليس بالأمر الطبيعي في الدول المتقدمة. وهناك أيضاً أمور أُخرى تعودنا عليها، لكنها تُثقل الحياة: على سبيل المثال، منذ نحو عامين لم تجرِ في إسرائيل مباريات كرة قدم، أو كرة سلة دولية، وإن قلائل فقط من الفنانين يوافقون على إقامة الاحتفالات هنا، كما أن التعاون بين الأكاديميين والعاملين في قطاع الهاي تك وبين زملائهم في الخارج قد تضرّر بسبب النفور من إسرائيل.
في الأشهر الأولى من الحرب، وتحت وقع أهوال السابع من تشرين الأول، شعرنا بأن الأمر الأهم هو تحقيق الاستقرار الأمني والانتصار في الحرب. لكن في المدى البعيد، من المهم أن نتذكر أنه يعيش في إسرائيل بشر ليسوا مجرد أدوات في خدمة طموحات استراتيجية كبرى. يجب أن تكون إسرائيل أيضاً مكاناً ممتعاً ومريحاً لمواطنيها، ولديها إمكانات هائلة لتحقيق ذلك. صحيح أن "الاستمتاع بالحياة" قد يبدو مطلباً غريباً في ظل الكمّ الكبير من المشاكل الكبرى التي تُلقي بظلالها على حياتنا، مثل مسألة تجنيد الحريديم. لكن الحقيقة التاريخية أن إحدى الركائز الأساسية في رؤية مؤسس الدولة، هرتسل، أن يكون الشعب مثل كل الشعوب، وأن تكون الحياة ممتعة في دولة اليهود، التي قُدّر لها أن تكون أيضاً مركزاً ثقافياً وجمالياً في المنطقة.
ولا تفتقر إسرائيل إلى أولئك الذين يطمحون إلى أن يكونوا رؤساء حكومة، وكلهم يطلقون وعوداً كثيرة ومتنوعة. ومع ذلك، لا أحد منهم يجرؤ على العودة إلى رؤية هرتسل الأصلية، ومحاولة الوعد بدولة يكون العيش فيها ممتعاً. لقد تحدث هرتسل عن قطار حديث، ومباني أوبرا للعروض الموسيقية، ومبانٍ معمارية ملائمة للمناخ، وممشى ممتع للسير. لقد تخيل دولة تتميز تكنولوجياً وتتألق في عرضها الثقافي. فالقادة الذين يُفترض أنهم يواصلون طريقه يخشون التطرق إلى هذا الجانب، أي الوعد بمتعة وراحة الحياة. الشخص الأخير، أو ربما الوحيد، الذي تحدث عن رغبته في قيادة دولة يكون العيش فيها ممتعاً كان إيهود أولمرت، لكن للأسف، اعتُبرت تصريحاته سخيفة، وفي جميع الأحوال، لم تمكّنه فترته القصيرة في الحكم من إتمام هذه المهمة.
من الأسهل على الزعيم الإسرائيلي أن يعِد بـ"ألّا يتكرر ذلك قط!" وأن يتحدث عن "انتصارات" و"تحولات استراتيجية"، لكن الحياة نفسها لها قيمة أيضاً، وللأمور الصغيرة معناها. ما دامت القيادة لم تنهِ الحرب بعد، ولم تطلق سراح الجيل الشاب للراحة المطلوبة، ولم تصحح الظلم القائم في الوضع الذي يساهم فيه البعض، بينما يتهرب آخرون، فسنعيش في دولة قد تكون نجحت من الناحيتين الأمنية والاستراتيجية، لكن مواطنيها يعانون جرّاء درجات متفاوتة من الاكتئاب الجماعي.
عن "يديعوت"