من السهل فهم انفجار المشاعر الذي يدفع بالمئات من الدروز من إسرائيل، ومن الجولان، إلى عبور الحدود نحو سورية، لكن لا يجوز أن ننسى أنه ما من فائدة حقيقية من ذلك، وقد تنشأ عنه تعقيدات خطِرة، لا قدّر الله. فلكي يصل المرء إلى جبل الدروز، الواقع على بُعد أكثر من 80 كيلومتراً شرقاً، هناك حاجة إلى رحلة تستغرق نحو ساعتين وربع الساعة في الأيام العادية، من دون أن نذكر أنه توجد على طول الطريق حواجز ونقاط تفتيش وعصابات مسلحة من أنواع شتى، مرتبطة بالنظام الجديد في دمشق بطريقة أو بأُخرى، لكنها لا تخضع بالضرورة لسلطته.
إن الدروز في إسرائيل الذين يرغبون في مساعدة إخوتهم في السويداء، ليس لديهم قدرة حقيقية على فعل الكثير، فهُم غير مسلحين بشكل مناسب، ولا يعرفون الظروف على الأرض، وفي أيّ حال، لا يوجد نقص في الأسلحة الخفيفة والمتوسطة لدى الميليشيات الدرزية التي تحاول الدفاع عن نفسها ضد العصابات التي تشكل، ظاهرياً، جزءاً من "الجيش السوري"، لكنها تتكون، في معظمها، من جهاديين قدامى ومجموعات من البدو وعناصر هامشية أُخرى. ولهذا، ما يوجد أمامنا ليس أكثر من تظاهرة، حتى لو عبر جميع المتجمهرين في مجدل شمس إلى قرية حضر الدرزية القريبة خلف الحدود، فلن يتغير الوضع. وفي رأيي المتواضع، من واجب القيادة الدرزية، وعلى رأسها الزعيم الروحي الشيخ موفق طريف، أن تتخذ خطوات لتهدئة النفوس، بدلاً من خلق بؤرة توتُّر غير ضرورية من جانبنا.
ولنذكّر مجدداً بالبديهي: لا تستطيع إسرائيل أن تقف مكتوفة الأيدي، بينما ترتكب القوات القادمة من دمشق فظائع مروعة بحق السكان المدنيين في جبل الدروز، لكن الهدف ليس إنشاء وصاية إسرائيلية على نصف مليون درزي يقطنون بعيداً، في شرق الجولان السوري. الغاية هي وقف الهجوم عليهم، ومن خلال التعاون مع أطراف أُخرى، مثل الولايات المتحدة ودول الخليج والأردن، والعمل على إحضار الدروز إلى طاولة المفاوضات مع ممثلي أحمد الشرع، من موقع أفضل يسمح بالتوصل إلى تفاهمات بشأن وضعهم المستقبلي، لكن من دون أن ينفصلوا عن الدولة السورية. بل أكثر من ذلك: يجب على إسرائيل ألّا تصل إلى واقع تُعتبر فيه عدوة للأغلبية السنّية في ذلك البلد. لكن الهدف هو العكس تماماً، بمعنى أنه يجب تقديم العون للدروز في محنتهم، من دون التضحية بالفرصة الكبيرة لبناء علاقات جديدة مع جارتنا.
فمن خلال معرفة جيدة بالاتصالات الجارية بين إسرائيل ونظام الشرع في الأشهر الأخيرة، ومؤخراً في أذربيجان، إن لم يكن هناك فقط، يبدو لي، كأنه من الواضح تماماً أن آفاقاً واسعة قد فُتحت أمام تعاون بعيد المدى. حالياً، لا يمكن الحديث بجدية عن اتفاق سلام مع سورية وانضمامها إلى اتفاقيات أبراهام، لكن هناك إمكانات كبيرة لِما هو أقل من ذلك.
فعلى سبيل المثال، هناك تعاون استخباراتي وعملياتي لوقف محاولات "حزب الله" وإيران، عبر الميليشيات الشيعية في العراق، لاستعادة موطئ قدم لهما في الجنوب السوري. كذلك توجد صيغة لترتيبات أمنية جديدة على طول الحدود، تتجاوز ما تضمّنه اتفاق فصل القوات (1974). علاوةً على ضخ الغاز الإسرائيلي إلى سورية التي تعاني جرّاء نقص حاد في الطاقة، عبر "خط الغاز العربي" الممتد من الأردن إلى سورية، يمكن تنفيذ ذلك بسرعة، مع العلم بأن الغاز المنقول من أذربيجان إلى سورية، عبر تركيا، لن يكون كافياً. هناك اهتمام في سورية بمرور جزء من تجارتها الخارجية عبر الموانئ الإسرائيلية، تماماً مثلما هي الحال مع الأردن، لأن الأمر سيستغرق وقتاً حتى تتمكن الإمارات من تشغيل ميناء حقيقي في طرطوس، وهناك حاجة إلى تنسيق بشأن إدارة نظام المياه في حوض نهر اليرموك.
حتى في عهد الأسد، كان هناك تصدير معين من إسرائيل إلى سورية، عُرف رسمياً بأنه تسويق للتفاح من بساتين الدروز في الجولان، لكنه كان يشمل أيضاً كميات كبيرة من التفاح ومنتوجات أُخرى من داخل إسرائيل نفسها. من المهم جداً أن تتوصل سورية إلى اتفاق مع لبنان يقرّ بأن مزارع شبعا كانت سوريةً ذات سيادة حتى سنة 1967، وبذلك تسحب هذه الورقة من يد خلفاء نصر الله، عندما يحين الوقت. باختصار، هناك قائمة طويلة جداً من الإنجازات الجديرة بالاهتمام.
فلنحرص على ألّا ننسى أن الدول العربية قررت احتضان الشرع، على الرغم من كلّ تحفظاتها، وأن الولايات المتحدة تمضي قدماً في رفع العقوبات المفروضة على سورية، في حين تنضم دول أوروبية رائدة إلى هذا التوجه. لا ينبغي لنا، على الرغم من كل الشكوك الناتجة من ماضي الشرع، أن نسير وحدنا ومع الإيرانيين ضده.
الاستنتاج: يجب على إسرائيل أن تسعى، بحذر، ومن خلال عمل عسكري محسوب ومراقَب، لاستقرار جبل الدروز، وألّا تنجرّ إلى مواجهة مع النظام الجديد في دمشق. وعلى الرغم من الاشمئزاز من سلوكيات الغوغائيين التابعين لـ"الجيش السوري"، فإنه من الأفضل لنا التركيز على الهدف الاستراتيجي الكبير، وعدم الانزلاق إلى تهوُّر عاطفي ومغامِر.
عن "N12"