لا قيامة للعرب بعد الآن

 

 

 

ما يحدث بالشرق الأوسط من تخبط هو مشروع نتنياهو وهو ماض به بكل تفاصيله المشروحة بكتابه "مكان تحت الشمس"، بدأه في غزة ثم لبنان ثم إيران والآن سوريا، إسرائيل تضرب بكل مكان وزمان، الأداء الهستيري الدموي لحكومة اليمين المتطرف في إسرائيل لم يحرك ساكناً، والفلسطينيين عراة وحدهم بمواجهة إسرائيل الراغبة في حسم الصراع بالقوة والتدمير والقتل، لا مشكلة في الابادة والترحيل والتجويع، فصفقة القرن واتفاقات ابراهام على الطاولة وسايكس بيكو جديد، التغيير حتمي لا جدوى من المواجهة، لا قيامة للعرب بعد الآن بعد أن تم تدمير مقدرات الشعوب العربية كاملة، تقسيم وتشريد وفقر، وأي نظام يستطيع البقاء دون حماية القوى العظمى، وهل هناك غير العباءة الأمريكية التي تعتبر نفسها منفردة بمقدرات العالم!.

الصراع على سورية بين القوى الاقليمية والدولية لبسط مكانتها وتعزيز قوتها بلغ ذروته, وما يتربص لها خطير، تجاذبات وتدخلات اقليمية ودولية، تركيا لاعب مركزي على مستوى المنطقة تحديداً سوريا، ما حدث في سوريا وانهيار نظام الأسد وسقوط المشروع الإيراني في المنطقة، ما كان ليتم دون الدعم الكبير التركي والقطري وباعتراف ترمب أن تركيا تملك أوراق اللعبة في سوريا، تركيا تعتبر نفسها الوصية على سوريا ورئيسها فالنظام الجديد هواه تركي، ولكن الآن سوريا في القبضة الإسرائيلية، لا القبضة القطرية أو القبضة التركية، رغم التطمينات أن سوريا راغبة في السلام والتطبيع قادم ولكن إسرائيل ترد بانتهاك السيادة والاحتلال، فما الذي تريده إسرائيل من سوريا!!.

إسرائيل تريد السلام مقابل الاستسلام، فالعربدة الإسرائيلية في ظل هذا الانقسام والفوضى في سوريا طالما تمنته، ونحن الآن أمام صراع سوري- سوري أدى إلى وضع لم تكن إسرائيل تحلم بما هو أفضل منه، سقوط السويداء بعد انسحاب القوات السورية يؤكد نجاح مخطط نتنياهو بنشر الطائفية والتقسيم والفدرلة والانتداب الاقتصادي والسياسي حتى الاحتلال المباشر، السويداء بوابة دمشق وحجر الدومينو الأول في هذه السلسلة، ممر داوود الذي خططت له إسرائيل يبدأ من السويداء، إذ يمتد من مرتفعات الجولان تجاه محافظات القنيطرة درعا السويداء يقطع بلاد الشام ويمتد تجاه معبر التنف الحدودي السوري، العراقي، الأردني وهو حالياً تحت السيطرة الأمريكية، يتوغل شرقاً تجاه دير الزور والبوكمال وصولاً لنهر الفرات حيث مناطق سيطرة قسد والربط مع اقليم كردستان العراق، هنا تكمن الأهمية الاقتصادية لإسرائيل إذ يفتح لها الوصول المباشر للنفط بكردستان مع امكان انشاء خط أنابيب من أربيل إلى ميناء حيفا مباشرة، والسيطرة على منابع المياه والثروات العربية، وتشكيل نفوذ سياسي جديد، وعسكرياً انشاء شريط نفوذ أمني يمنح إسرائيل عمقاً استراتيجياً بإقامة مناطق عازلة منزوعة السلاح.

نتنياهو منتشياً بالنصر فمشروعه قاب قوسين، سوريا دولة منزوعة السلاح، والبرنامج النووي الإيراني تم تدميره حسب الرواية الأمريكية والإسرائيلية، بعد أن تم اقصاء دورها في سوريا والمنطقة ككل، وهناك نية لتدمير البنية الصاروخية الباليستية الإيرانية، المشروع كبير يهدف إلى شرذمة المنطقة وتكوين دويلات ضعيفة لا تستطيع تشكيل شعباً موحداً وبالتالي تبقى ضعيفة غير قادرة حتى على الحكم الذاتي ومعرضة لغزوات واضطهاد، لإسرائيل رؤية أخرى لسوريا يسعى إليها نتنياهو على قدم وساق بإقامة دولة كردية في شمال شرق سوريا تمهيداً لإنشاء الممر وإتمام مشروع مارشال للشرق الأوسط وتصفية القضية الفلسطينية، هو يريد ما قبل الليطاني وما بعده حتى الوصول إلى نبع الفيجة في دمشق، فإسقاط الشام والوصول إلى الهيكل الذي تحتها هو مشروع النبوءة حسب العقيدة التلمودية، الأردن في خطر فوادي عربة والمنطقة الخضراء ضمن المشروع، ثم السيطرة على وادي النيل وتحويل مساره، فاستعدوا للحرب الثانية إسرائيل ستشن حرباً واسعة على هذه الدول دفعة واحدة، فماذا جهز العرب، لا حول لهم ولا قوة!.

هنا بدأت تركيا تستشعر الخطر، وأردغان في مأزق من خطر التمدد الإسرائيلي "سنكون الهدف الثاني"، وهو يدرك أن تركيا لن تكون بمنأى، وستطالها الفوضى الجيوسياسية في المنطقة، لكن ينظر لها اردغان على أنها عثمانية جديدة، فلماذا يستشعر الخطر وأردغان أخر من يمكنه أن ينتقد إسرائيل أو يقطع علاقته بها، فغزة عرت الجميع، ووضعت أردغان في امتحان صعب، ماذا فعل اردغان خليفة المسلمين لإغاثة غزة؟!.  

اردغان منح أضواء خضراء كافية لأن يؤدي ما يخدم استراتيجية القطب الأوحد أمريكا، لزيادة نفوذ بلاده الجيوسياسي وملئ الفراغ الإيراني، ورغبته بدور محوري في مشروع الشرق الأوسط الكبير وهو ما يتفق ورؤية هنري كسنجر التي طرحها عام 1995 والتي تقول: "أن تركيا يجب أن تكون دولة محورية بالشرق الأوسط"، فالدور التركي جزء أساسي في هذا المشروع، وباعتراف اردغان نفسه في لقاء أجراه عام 2006 " أصبحنا جزء لا يتجزأ ممن يتزعمون مشروع الشرق الأوسط الكبير، ومشروع شمال افريقيا"، مشروع بوش الذي جعل فيه تركيا عموده الفقري، والمستهدف فيه كل العالم العربي، وتركيا تمتلك من مصادر القوة الاقتصادية والعسكرية والموقع الجيواستراتيجي ما يؤهلها لهذا الدور.

هنا مَن اللاعب الاقليمي المركزي في المنطقة بعد تنحية إيران، والعرب خارج اللعبة؟، نتنياهو وهو يتوعد بتغيير الشرق الأوسط يخشى من التمدد التركي وانشاء قاعدة سنية جديدة في المنطقة بقيادة تركية، ويرى أن التمدد التركي بلغ حدوده كبديل للمشروع الإيراني، وقد يحدث صراع بين تركيا وإسرائيل على مستوى النفوذ وعلى مستوى هوية المنطقة وتقسيم البلاد، وسوريا في مهب الريح صراع اقليمي يندرج تحت الدولة السورية على مستوى مستقبلها، مع غياب قرار دولي حاسم لتقسيم سوريا تواصل إسرائيل اعادة ترسيم خرائط المنطقة بشكل عام وسوريا بشكل خاص بما يخدم مشروعها بطمس هوية سوريا وإحداث تغيير فعلي على المستوى الجيوسياسي.

الحرب القادمة هي حرب إسرائيل ضد تركيا على الأراضي السورية واللبنانية عاجلاً أم آجلاً، باعتبار أن إسرائيل لها حدود مع تركيا ولو لوتكن جغرافية "وكلائها بالنيابة"، وما الذي يضمن أن تقول إسرائيل أن مستوى الصواريخ التركية تشكل خطراً عليها في المستقبل، سيتصارعون على النفوذ وتصطدم المشاريع والحرب ستكون موسعة فكل الملفات مرتبطة ببعضها، ولكن تركيا عضو بحلف الناتو منذ عام1952 "مما مكنها من انشاء جيش قوي, وتعد قواتها المسلحة ثاني أكبر جيش في حلف الناتو, وتنتج 80% من احتياجاتها من السلاح"، والناتو معني بالدفاع عن تركيا، بالمقابل إسرائيل شريك لأمريكا، وبدا واضح أن ترمب يخاف على إسرائيل، أكثر مما يخاف الإسرائيليون عليها، فكيف سيكون الأمر مع ترمب في حال نشوب الصراع التركي الإسرائيلي؟؟ لا علم لنا سوى أن لا قيامة للعرب بعد الآن.

 

 

 

Loading...