ظُلم اخوتنا الدروز وتحديداً دروز فلسطين مرتين منذ قيام دولة الاحتلال عام 1948، الظلم الأول هو أنهم فلسطينيون وعرب رفضوا الاحتلال وعانوا مثل بقية المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين، أما الظلم الثاني فهو عندما وقع وبالنيابة عنهم الشيخ أمين طريف اتفاقية 1956 التي تعتبرهم طائفة مستقلة منفصلة عن العرب المسيحيين والمسلمين، وتم بموجب هذا الاتفاق دخول الدروز إلى جيش الاحتلال كمتطوعين ثم أصبح الأمر إلزامياً، وهو ما أطلق عليه (حلف الدم) وهذا المصطلح يقصد به (التحالف بين النبي شعيب عليه السلام وهو النبي الرئيسي للدروز والنبي موسى نبي اليهود وهو توظيف زائف للدين) وهذا الاتفاق أوقعهم في حالة تناقض مع تاريخهم ووطنيتهم وقوميتهم وحتى إنسانيتهم، وبالرجوع للوثائق التاريخية وتحديداً كتاب (دروز في زمن الغفلة، من المحراث الفلسطيني إلى البندقية الإسرائيلية للباحث والمفكر الدرزي قيس فرو) نجده يؤكد حقيقة أن الدروز رفضوا وبقوة قانون "التجنيد الإجباري" الذي صدر عام 1956 مشيراً إلى أحد رموز هذا الرفض الشيخ فرهود قاسم فرهود من قرية رامة في الجليل والذي استغل كلّ لقاء ومناسبة للتحريض على الرفض، والذي وقع مع وجهاء آخرين على عرائض مختلفة وجهت إلى المستويات السياسية في دولة الاحتلال لوقف هذا القانون، وقام ومعه شخصيات أخرى بتحويل عيد زيارة مقام "النبي شعيب" لفرصة لدعوة أبناء الطائفة لعدم الاستجابة لطلبات التجنيد.
تُظهر البيانات التي أوردها كتاب "قيس فرو" أن نسبة الرافضين للتجنيد بين الشبان الدروز كانت مرتفعةً رغم سياسة القمع التي اتبعها الجيش والشرطة في ملاحقتهم، وترافق ذلك مع نداء من زعيم الدروز في سوريا وقائد ثورتها ضد الفرنسيين، سلطان باشا الأطرش، إلى دروز فلسطين لرفض التجنيد والوقوف إلى جانب إخوانهم العرب في الكفاح ضدّ الصهيونية.
ومع مرور الوقت انغمس قطاع كبير من الدروز الفلسطينيين في حالتهم "الرمادية " بين هويتهم الأصلية كفلسطينيين وبين هويتهم الجديدة كإسرائيليين وتمكنت هوية الاحتلال من التغلب لدى الكثير منهم لأسباب عديدة وبخاصة لدى الأجيال الشابة التي لا تملك أي ثقافة تاريخية وقائية تكشف لهم خطورة دولة الاحتلال ونظرتها الحقيقية لهم وللدور الوظيفي الذي رسمه لهم.
هذه الخلفية التاريخية السريعة كانت ضرورية مني ككاتب لأخذ دوري الأخلاقي والمهني لرفع الظلم الذي وقع على صورة وحقيقة الدروز وتلك الصورة النمطية الظالمة التي ترسخت في أذهان العامة عنهم في ظل قيادة أمين طريف وحفيده موفق طريف حالياً، اللذان نجحا للأسف في ترسيخ الاعتقاد بوجود "دروز صهاينة " حسب تعبير المؤرخ الدرزي الثائر سعيد نفاع.
وبهذه الخلفية وبهذا الواقع وجد نتنياهو أن هناك فرصة مواتية لإضعاف سوريا والبدء بتقسيمها على أسس طائفية وقومية وفي ذهنه ما كتبه "برنارد لويس" في كتابه ( مستقبل الشرق الأوسط: تنبؤات) الصادر عام 1997 والذي ركز على ضرورة تغذية تطلعات الانفصال للدروز والعلويين والكرد في سوريا وكذلك الشيعة والسنة والمسيحيين والكرد والتركمان في العراق ووجد نتنياهو ضالته أو فرصته في وجود الشيخ حكمت الهجري صاحب المواقف المتناقضة التي أوصلته إلى التواصل مع الشيخ موفق طريف في فلسطين لطلب النجدة من إسرائيل في حادث عرضي ومدان كان من الممكن بكل بساطة احتواؤه والسيطرة عليه (احتجاز أشخاص من بدو السويداء لشاب درزي وسرقة أمواله)، ولكي يكون القارئ الكريم بصورة واقع الشيخ الهجري، فهو متقلب وانتهازي وكان حليفاً قوياً داخل الطائفة الدرزية في السويداء لنظام آل الأسد وبعد التغيير وعندما لم يجد له مكانة في النظام الجديد في سوريا حاول ابتزاز أحمد الشرع إلا أن الأخير اعتمد القيادة المعتدلة للدروز وهما الشيخ الحناوي والشيخ الجربوع، مما دفعه للتمرد ومواجهة دمشق واتخاذه من حادثة الشاب الدرزي فرصة لبث التفرقة والاستعانة "بدروز" موفق طريف الذي بدوره نجح في إعطاء نتنياهو المبرر لقصف دمشق بحجة حماية دروز السويداء رغم رفض الشيخين الحناوي وجربوع لتصرف الهجري وميليشياته المسلحة المدعومة مالياً وعسكرياً من إسرائيل.
والسؤال ما هدف الاحتلال الإسرائيلي من كل ذلك؟؟
الهدف وبعد إعلان إسرائيل عدم السماح لأي وجود مسلح جنوبي سوريا واعتبارها منطقة عازلة هو جعل السويداء إقليماً منفصلاً عن سيطرة الدولة، وتوطئة لاتباع هذا النموذج في شمالي سوريا وفي الساحل، وهو ما يعني تقسيم سوريا لأربعة أقاليم سني فيه الدولة المركزية وعلوي وكردي ودرزي، فهل ينجح نتنياهو؟؟؟