الهولوكوست الفلسطيني

لابد أن يؤدي إلى ولادة دولة فلسطينية

 

 

 

أمام مخاطر استئناف المفاوضات ومناقشة مرحلة ما بعد الحرب التي تطرحها إسرائيل وأمريكا، بعيداً عن الطرف الفلسطيني والسلطة الفلسطينية، أين الدولة الموعودة، وأين السلطة؟!!، منذ سلام الشجعان في اوسلو بغض النظر عن الظروف الدولية حينها، عمل على إفراغ الحركة الوطنية الفلسطينية من مفهومها وهدفها، "منظمة التحرير الفلسطينية تعهدت بعدم اللجوء إلى القوة إطلاقاً"، وحولها من حركة تحرر إلى سلطة تحت الاحتلال على بقع متناثرة في الضفة الغربية وقطاع غزة ولم يتم الاشارة اليها كأراضي محتلة مما عزز الاعتقاد بأنها أراضي متنازع عليها، مما جعل اقامة دولة فلسطينية متصلة أمراً مستحيلاً، وهو أقل من سقف المستوى السياسي الوطني الفلسطيني، ناهيك عن الانقسام وهشاشة الموقف السياسي واستمرار التنسيق الأمني وهو البند الأهم من وجهة نظر إسرائيل والذي لا يجوز تجاوزه، دفع الفلسطينيين ثمناً باهظاً بفاتورة السلام تلك بعد وصول حكومة اليمين الإسرائيلية بزعامة نتنياهو التي نعت السلطة الفلسطينية، فأصبحت السلطة بلا سلطة والدولة بلا أرض، وأصبحت الكرة في ملعب إسرائيل التي تملك أوراق القوة وأوراق اللعبة.

إسرائيل تفترض وتضع خطط لا تتطرق إلى مستقبل القضية الفلسطينية، بل تسعى لتصفيتها وتقزم تطلعات الشعب الفلسطيني، وتكرس فصل غزة وتبقيها تحت سيطرتها، بعد اقرار الكنيست بضم الضفة الغربية "يهودا والسامرة" نسفت إسرائيل قيام أي دولة فلسطينية بشكل مطلق، وقوضت جهود السلام التي سعى لها العرب ومنظمة التحرير الفلسطينية منذ ثلاثين عاماً، و"الآن، والأشياء سيدة، وهذا الصمت يأتينا سهاماً هل ندرك المجهول فينا، هل نغني مثلما كنا نغني؟ هذه أمم تمر وتطبخ الأزهار في دمنا وتزداد انقساماً"، ونحن أمام الابادة الجماعية والتجويع التي يمارسها الكيان الإسرائيلي أمام أنظار العالم وبصمت عربي، دماء المئات أثناء محاولتهم الوصول إلى الطعام وجوعهم عار عليكم، "رغم توافرها أطناناً على معبر رفح"، وكأن مشكلة الشعب الفلسطيني هو الجوع، وليس عدو سرق أرضهم وخيراتهم وأحلامهم، استمرار التفاوض لإحلال السلام الموهوم الذي لا يمكن لمنطق الاحتلال وبنيته المتسلطة أن تقبلان به، مفاوضات لا طائل منها، وكيف يفاوض القتيل القاتل!!، الذي لا يرى وجود لدولة فلسطينية أو حتى فلسطينيين أو حتى العرب، الشرق الأوسط بدأ يتغير بما يتناسب مع تطلعات حكومة نتنياهو ويخدم أهدافها لتصبح قوة سياسية واقتصادية اقليمياً وحتى دولياً، أليس هو المشروع الأمريكي في المنطقة!!.   

بعد الهستيريا الدموية على أرض غزة التي هزت العالم، وصلت فلسطين وقضيتها وتمثيلها السياسي في العالم إلى الحدود العليا، بعد أن باتت القضية الفلسطينية تتلاشى في ظل استمرار الاستيطان والتهويد والتطبيع دون أن توضع الدولة الفلسطينية كهدف له، الآن المأساة الفلسطينية قائمة ومطروحة على دول العالم فرنسا وبريطانيا تحديداً، ربما لأنهما من صنعتا الدولة العبرية في منطقة تتمتع بحساسية جيواستراتيجية عالية قابلة جداً للانفجار، جعل العالم يستشعر الخطر الذي تشكله عصابات تقترب أكثر فأكثر من الأزرار النووية التي تتوعد بإزالة الشرق الأوسط وربما العالم.

فرنسا من الخمس الدائمين في مجلس الأمن ورغم ذلك كان الموقف الفرنسي مستضعف، لأن فرنسا تسير على خط موازي لأمريكا، لاحظنا مواقف الرئيس الفرنسي من عملية طوفان الأقصى، ومن المجازر التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني التي أعقبت ذلك، تشدد وتراجع وكلام مزدوج، والآن بدور المنقذ في الشرق الأوسط وايقاف الحرب، والأهمية للسياق الزمني في ظل المجازر والتجويع بغزة والضغط الشعبي الأوروبي وقرار الكنيست بالضم للضفة الغربية لتصريحات ماكرون نيته الاعتراف بدولة فلسطينية، هذه التصريحات ليست رمزية بل تعكس تحولاً مهماً في ميزان الدعم الدولي ضد الاحتلال الإسرائيلي وأزمات متتالة جديدة له مع الدول المعترفة بدولة فلسطينية، ماكرون لا يكفي تطبيق القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة بل يجب ملاحقة حكومة نتنياهو بانتهاكات ضد الانسانية وارتكاب المجازر والابادة الجماعية الموصوفة والاستيطان، فالأمور لا تجري كما تشتهي إسرائيل، انقلاب الرؤية الأوربية والتعجيل بولادة دولة فلسطين، التي "تعتبر أن الهولوكوست اليهودي وضع التراجيديا اليهودية في الضوء وأدى إلى ولادة دولة إسرائيل، بالمقابل الهولوكوست الفلسطيني وضع التراجيديا الفلسطينية في الضوء فلابد أن يؤدي إلى ولادة دولة فلسطينية"، فهناك أمر واقع فرضه الوجود الفلسطيني، وعزز أمر واقع دولي بالاعتراف بدولة فلسطين، تصريحات استفزازية لايتمار بن غفير وسموتريتش أن ماكرون منح إسرائيل المبرر القوي لتطبيق السيادة الإسرائيلية على يهودا والسامرة، أمريكا التي كانت تدعو إلى حل الدولتين، اعترضت على تصريحات ماكرون "لا وزن للاعتراف الفرنسي بدولة فلسطينية"، ولما العجب!!.

ورغم كل تجاوزات الكيان الإسرائيلي وممارساته الا أن التفوق القانوني في المحافل الدولية كان له لأنه أداة اقليمية لقوى الهيمنة الرأسمالية العالمية، ولكن جرائم إسرائيل باتت عبئاً على واشنطن ومحرجة لها أمام المجتمع الدولي والرأي العام العالمي، لتكرس نفسها كدولة تنتهك حقوق الانسان والقوانين الدولية، وهي لطالما تذرعت بالتدخل الانساني، لتبرير تدخلها بشؤون وانتهاك  سيادة دول أخرى في العالم، ترمب نفسه بورطة ومصطدم بالواقع فمن الصعوبة ايقاف الحروب وتحقيق وعوده الانتخابية، فدخول الحروب ليس كما الخروج منها، وهناك تغييرات مهمة في الرأي العام الأمريكي بدأت تنتقد سياسات إسرائيل وتضغط على ترمب، وخاصة بعد استهداف الكنائس في غزة بدأت تؤثر على بعض التيارات الانجيلية المعروفة بدعمها القوي لإسرائيل، فضلاً عن أن التشدد الإسرائيلي ونكران الجميل الذي جاء في تصريحات لنتنياهو وحكومته أن إسرائيل ليست ولاية أمريكية وهي تتصرف على هذا النحو، بدا يشكل عبئ استراتيجي أمام التحرك الأمريكي وأولوياتها للتفرغ لمواجهة الصعود الصيني والروسي على قيادة العالم، فالترحيل والابادة لا يمكن أن يتحقق  الا بزعزعة أمن المنطقة وخاصة دول الجوار الموقعة على اتفاقيات سلام مع إسرائيل "الأردن ومصر"، وسيكون السقوط الأمريكي في الشرق الأوسط ما يعني السقوط في العالم، لذلك نجد الادارة الأمريكية تضغط لوقف الحرب، مرحلة حاسمة من التفاوض وقف اطلاق النار ل60 يوماً وزيادة في المساعدات الانسانية عبر بعض قنوات الأمم المتحدة لاقت قبول أمريكي ولو على مضض، مقابل رفض إسرائيلي، ولكن المبعوث الأمريكي ويتكوف سيدرس خيارات جديدة لإعادة الرهائن، وماذا بعد تسليم الرهائن؟!!.ترمب اكدها بمنطق أشبه بشريعة الغاب والبقاء للأقوى "انهاء المهمة والقضاء على من تبقى في غزة فلا يستحقون سوى الموت".

      

 

 

 

كلمات مفتاحية::
Loading...