مواطن كويتي اشترى من فلول صدام حسين، ومن الدائرة اللصيقة، نسخاً من القرارات التي كان يصدرها صدام حسين خلال سنوات قبضته المرعبة على حكم العراق من 1979 حتى 2003، وهي متنوعة في قسوة مفرداتها، وعنيفة في أهدافها، وتوحي بصيغة يوظفها للتعبير عن مرئياته المحشوة بالعنف والاستفزاز، فتأتي بلغة أوامر حادة، لا تترك مساحة للمبررات في تأخير التنفيذ، كما تكشف هذه الأوراق ضيق صدره، لاسيما من القيادات الخليجية، مع تهديدات لها بلغة يغلب عليها نهج البلطجة، وأنشرها كما جاءت وبمفرداته وتطاولاته على الآخرين، من داخل العراق وخارجه، وموجهة للعرب ولغيرهم، ونبدأ بما توقعه صدام حسين من الشيخ زايد، رئيس دولة الإمارات، وبعدها تتنوع التعليمات والتعليقات.
نبدأ بالوثيقة الأولى:
أولاً: الى وزير الخارجية، وزير الاعلام: «لقد رجوت الشيخ (....) شخصياً لدى استضافتنا له بعد قمة بغداد، وتحديداً في محافظة الموصل، ان يتفهم مشاكلنا معهم ومع الكويت، ووعدني أن انتظر لدى عودته.... وبعد عودته وكما تعلمون أدلى وزير نفط (.....) بعدة تصريحات سيئة ضد العراق وقيادته... كان ذلك في 28–6–1990. هل نرجو منهم خيراً الآن.. الا انهم سيندمون يوماً لحقدهم على العراق، وسيتمنون انهم لم يفعلوا ذلك 9–8–1990».
ثانياً: الى وزير الخارجية، يتم الرد على تخرصات (....) وزير خارجية (.....)، وكذبه وافتراءاته في أننا كنا ذوي لهجة عدوانية ضد مجلس التعاون الخليجي خلال مؤتمر قمة بغداد الأخير، وان ما قاله في أن أمريكا هي خير حليف لهم، فهذا صحيح لأنهم عملاء صغار وأدوات أمريكا في الوطن العربي.. 5–8–1990.
ثالثاً: فوراً، الى وزير الخارجية.. إبلاغ المملكة العربية السعودية بتصريحات وزير نفط الكويتي، من أن الكويت عازمة على إلغاء أي اتفاق يصدر من اجتماع جدة بعد شهرين.. هذا ضحك على الذقون، ولن يقبله العراق قيادةً وشعباً، ونحن نرفض ذلك من الآن.. 29–7–1990.
رابعاً: وزير الخارجية هذا غير صحيح.. لقد طالبنا وأنت كنت حاضراً في المؤتمر التحضري لوزاء الخارجية العرب قبل انعقاد القمة في بغداد في 1990 بإدانة واضحة وشديدة اللهجة ضد أسرائيل وأمريكا، الا ان السعودية ومصر رفضتا ذلك، حتى لا تتضرر مصالحهما ومصالح أمريكا.. وهذا ما كنت أوكد عليه دائماً.. 29–7–1990.
خامساً: الى وزير الخارجية يوضح للرأي العام من أننا أردنا الحضور شخصياً للسعودية، تلبية لدعوة جلالة الملك فهد، الا ان الكويت رفضت حضور اميرها جابر لاجتماع جدة.. لذا قررنا عدم الحضور وإرسال السيد النائب.. 29–7–1990.
سادساً: الى وزير الخارجية، تبلغ كل سفاراتنا وممثلياتنا في الخارج ان الكويت لم توافق على إرسال وفد الى جدة، الا بعد ضغط من الرئيس المصري حسني مبارك والأمير عبدالله، بطلب من جلالة الملك فهد، ما يؤكد لنا تعنت حكومة الكويت... 29–7–1990.
سابعاً: عاجل ديوان الرئاسة، أمر. يعفى سعدون حمادي من منصب وزير الخارجية، ويعين بدلاً عنه الرفيق طارق عزيز. ويصدر مرسوم جمهوري من اليوم 24–1–1983.
ثامناً: باليد. أخي برزان المحترم، اشتكى السفير الكندي من قيام دائرتكم باستغلال دار مجاوره لداره في منطقة الجادرية لبعض الأعمال الاستخبارية.. ألا تلاحظون ان هذا العمل مكشوف، لاتخاذ اللازم فوراً 5–1–1983.
تاسعاً: الى السكرتير، يدرج تصريح وزير الدفاع السوري بأن الرئيس حافظ الأسد يصف صديقه الخميني (بعثي بعمامة) في جدول أعمال القيادة غداً.. 19–7–1981.
عاشراً: السكرتير الصحافي، إن تبني الرئيس حسني مبارك استقدام الجيوش الأجنبية للمنطقة ودفاعه المفاجئ والمستميت عن الكويت انما جاءت حسب مشورة من وزير المالية المصري لإنقاذ اقتصاد مصر المنهار بسبب سياسته العرجاء.. كذلك لمصالحه الشخصية .. 10–9–1990.
حادي عشر: على الفور، الى السكرتير الصحافي، الرفيق وزير الخارجية، يتم توضيح موضوع الإشاعة والأخبار الملفقة من قبل حكومة البحرين حول فقدانها طلبتها الدارسين بالعراق، وان مسألة إلقاء القبض عليهم كرهائن ما هي إلا كذبة أخرى تضاف لمسلسل الكذب لغرض تبرير العدوان على بلدنا... نقدم ملفات هؤلاء الطلبة من الإقامة ومغادرتهم الى الأردن، وبالتواريخ والساعات ونشرها بالصحف، وقبل ذلك تسلّم نسخ منها للأمم المتحدة لتعرية هذه الإشاعات والافتراءات.. 27–10–1990.
ثاني عشر: السكرتير يتم استقبال السيد عمرو موسى – مندوب مصر في الأمم المتحدة، من قبل الرفيق ابو نادية.. وإبلاغه ان سبب انهيار مجلس التعاون العربي هو مواقف الرئيس المصري حسني مبارك... 30–11–1990.
ثالث عشر: رئيس الديوان، أمر، يوفد الرفيق سعدون حمادي لمقابلة العقيد معمر القذافي، وإقناع الملك المغربي الحسن الثاني بعدم إرسال قوات عسكرية للسعودية لمجابهة قواتنا والعدوان عليها.. العراق قادر أيضاً على تغيير موقفه من مشكلة «سبته ومليله» المحتلتين من قبل اسبانيا، كذلك موقفنا من جبهة البوليساريو... على الملك الحسن الثاني ان يعي خطورة موقفه بإرسال قواته للسعودية.. 18–8–1990.
هذه نماذج من الاسلوب والطريقة التي كان صدام يحكم بآلياتها العراق حكماً فردياً غليظاً في أوامره، ودموياً في حصيلته، كما تكشف هذه التعليمات شيطنة النظام الباحث عن المواجهات التي وظفها، ليصل الى الحكم الفردي والمتسلط، فارضاً الخوف الجماعي، ومجذراً انتشار الجواسيس والنميمة داخل المجتمع العراقي، وموفراً الضمان لمن ينخرط في شبكات التلصص والتجسس.
من الواضح انها توجيهات صدرت من صدام حسين، تترجم ما يدور في ضميره تجاه الخليج دولاً وزعامات، وفيها مخزون ضخم، ليس من التعالي فقط، وإنما ينتظر وصول المناخ الذي يوظفه لتفعيل خطوات تؤذي أهل الخليج، وبالذات الكويت. كان حكماً عاش بالدم متجاهلاً حقائق الدنيا، فمن عاش بالدم هلك بالدم.