دولة تحت الإنعاش!!

 

 

 

على مدى ال77 عاماً لم تحاول بريطانيا ايجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي، وما تزال عذابات الشعب الفلسطيني شاهد حي على وحشية الامبراطورية البريطانية المندثرة والمرهونة بوعد بلفور عام 1917 المبني على تشكيل وطن لعصابات إجرامية يعتنقون الديانة اليهودية، ارتكبت خلال فترة انتدابها عدداً من المذابح بحق الفلسطينيين وقمعت الثورات الفلسطينية "ثورة البراق والقسام والثورة الفلسطينية الكبرى"، وسهلت هجرة اليهود إلى فلسطين وامتلاكهم الأراضي الفلسطينية بنت لهم مستعمرات وما زالت تحتضن إسرائيل وترعاها إلى الآن.

حين يتعلق الأمر بإسرائيل لا يكفي أن تكون صهيونياً، بل يجب أن تدرك معنى الدولة اليهودية وانتقال الرعاية ومركز الثقل داخل الحركة الصهيونية من لندن إلى واشنطن، صُنعت إسرائيل منذ البداية لتخدم الاستراتيجية البريطانية ثم أصبحت تخدم الاستراتيجية الأمريكية، فالموضوع ليس مواقف سياسية أو تدخل عسكري هنا أوهناك!، فإسرائيل هي قاعدة حربية متقدمة في الشرق الأوسط مهمتها الحروب، القتل والتدمير، بدت بريطانيا محصورة سياسياً بالولايات المتحدة الأمريكية وظلها، ساندتها عسكرياً وسياسياً في كل الصراعات الدولية، حاربت بريطانيا في عدة حروب سرية في اليمن وليبيا والعراق وسورية، والآن في أوكرانيا وغزة، جلبت الموت والمجاعة والدمار لملايين المدنيين الأبرياء دفاعاً عن مصالح نخبة قليلة تتحكم في مؤسسات صناعة السياسات البريطانية مركزية ومتطرفة للغاية وسرية، سياستها التي تلتزم بها الحكومات البريطانية المتعاقبة هي عدم التعليق على أي عمليات استخباراتية حساسة لأسباب تتعلق بالأمن القومي عادة لا تغطي وسائل الاعلام في بريطانيا جميع السياسات الخارجية البريطانية وإن نشرت فعادة ما تقوم بتضخيم سياسات الدولة ونشر معلومات مضللة كادعائها أن سياسات بريطانيا في الشرق الأوسط تقوم على دعم الديمقراطية وحقوق الانسان.

بريطانيا حكمت ما يقارب ربع سكان العالم ولها ماضي استعماري مشين مبني على المجازر والمجاعات ومعسكرات اعتقال وتغذية الطائفية حروب الافيون، سيطرت على التجارة العالمية وهيمنت على اقتصاديات العديد من مناطق العالم بحكم توسع سيطرتها في آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية لإيجاد أسواق ومصادر جديدة للمواد الخام لتمويل ثورتها الصناعية من عمليات نهب ثروات الشعوب الفقيرة، وكأن إسرائيل وليد ذاك الرحم!، مات ما يقارب 19مليون هندي جوعاً خلال فترة استعمار بريطانيا للهند التي كانت تصدر ملايين الأطنان من القمح من أراضيهم إلى بريطانيا وأربعة ملايين بنغالي عام 1943بسبب الاستيلاء على طعامهم وارساله إلى الجنود البريطانيين بعهد ونستون تشرشل، معسكرات الاعتقال التي كانت تُمارس فيه أشد أنواع التعذيب والانتهاك لحقوق الانسان والاعتداءات الجنسية.

تزامن وصول حزب العمال إلى الحكومة في بريطانيا مع وصول ترمب للسلطة، "بالوقت الذي يبدو فيه أغلب الدول الأوربية تتجه نحو اليمين المتطرف، بريطانيا تسبح عكس التيار وتتجه إلى اليسار"، مما جعلها أكثر حذراً واستعداداً بالتعامل مع ترمب، فهناك مخاطرة من تدهور العلاقة معه، ورغم تعهد كير ستايمر رئيس الوزراء البريطاني بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولكنه سيبقى للدعاية الانتخابية حرصاً على الشريك الأمريكي، لأن أهم القضايا بالنسبة لأي رئيس وزراء بريطاني العلاقات الانجلو أمريكية والكيان الإسرائيلي، أليست بريطانيا عرابة وعد بلفور، قدمت فلسطين هدية لليهود!!.

لكن الكارثة الانسانية في غزة غيرت قواعد اللعبة، التجويع بات يشكل خطراً على إسرائيل والمجتمع الدولي، الخطر يقترب والجرائم يبدو أنها لن تمر دون عقاب ومحاسبة دولية، العالم كله والاتحاد الأوربي يهدد بفرض عقوبات اقتصادية ضد إسرائيل والمهلة المنتظرة سيبتمر، أوروبا بدأت تتغير وتتجه نحو الاعتراف بدولة فلسطينية، ثلاث دول من مجموعة السبع تعلن نيتها الاعتراف بها فرنسا وبريطانيا وكندا، "ترمب يهدد"، موقف جديد والكل مرهون بموقف أمريكا التي لا تؤمن بدولة فلسطينية ولكن كيف يمكن ترجمة هذا الزخم الدولي وأمريكا تعرقل وترفض قيام الدولة وإسرائيل لا يعنيها العالم فقط أمريكا، وماهي الخطوات العملية التي قام بها المجتمع الدولي ضد إسرائيل هل فرض عقوبات جدية عليها؟! ماذا فعلت بريطانيا والأسلحة الألمانية والأسلحة الأمريكية مازالت تقتل الجوعى!!.

إسرائيل وافقت على اقامة دولة فلسطينية بدعم غربي "إطار اوسلو"، الآن إسرائيل لا توافق والغرب يخرج من رؤية اوسلو سبقه بايدن "اعلان الدولة ليس مرتبط بموافقة إسرائيل، وستعلن الدول الغربية وأمريكا اعترافها بالدولة من دون موافقة إسرائيل"، ولكن بايدن خسر بالانتخابات وتفكك المشروع، والآن الأوربيون يواصلون هذا المشروع بمواجهة ترمب ورغم أنه مشروع تحت الانعاش الا أنه ضاغط على إسرائيل وعلى أمريكا أليسا كلٌ؟!

هناك فجوة كبيرة بين الموقفين البريطاني والأمريكي من اقامة الدولة الفلسطينية، وما يحاول ستايمر القيام به هو امتصاص الضغط الداخلي عليه من حزبه 250 عضو من حزب العمال وحتى حزب المحافظين وضغط شعبي يزداد بشكل كبير طالبوه بالاعتراف بدولة فلسطينية الآن وليس غداً، بالوقت نفسه لا يريد الخروج من العباءة الأمريكية، محاولة ستايمر مسك العصا من منتصفها اشترط الاعتراف بالدولة بوقف الحرب في غزة وإسرائيل لن توقفها أبداً، هي محاولة ضغط على إسرائيل لفتح المعابر وادخال المساعدات فالقضية أخلاقية وليست سياسية، فهل بريطانيا ستعترف بدولة فلسطينية؟؟

ستايمر يحاول التوفق بين الضغط الشعبي وغضب ترمب، حق تاريخي ولكنه مشروط لا يريد أن يعترف بدولة فلسطينية أحادية بل أن تكون جزء من عملية سياسية حقيقية جزء لا يتجزأ من عمل جماعي دولي والعودة للمربع الأول تعرقل الاعتراف الكلي، إسرائيل وأمريكا ضد اقامة دولة فلسطينية هو نقيض الدولة اليهودية ولا يخدم المصالح الأمريكية قالها صراحة السفير الأمريكي في إسرائيل، ها هي أمريكا تعلن عقوبات على منظمة التحرير الفلسطينية وقياداتها، ولا تعتبرها شريك للسلام، بل شريك يدعم الارهاب بالمنطقة.

يحاول نتنياهو اللعب على الوقت بمحاولة السماح "لبعض" المساعدات الانسانية، وعليه أن يسرع بتحقيق انجاز بقتل أكبر عدد من الفلسطينيين ومنع اقامة دولة فلسطينية، والا ستكون الحكومة الإسرائيلية تحت المساءلة والحركة الصهيونية كلها تحت التهديد، إسرائيل لن تخرج من قطاع غزة ولن تتخلى عن احتلال وتهجير أكبر عدد منهم، فهناك تنسيق استراتيجي على مستوى عالي لاستيعابهم والمشروع بات جاهزاً، الخلاصة وقف الحرب لن يتم دون الاحتلال الكامل للقطاع، وترحيل الفلسطينيين، اذن لا دولة فلسطينية ولا فلسطينيين على الاطلاق، الموت أو الاستسلام.

 

 

 

Loading...