صحافة وتقارير

الخلاف في هيئة الأركان حول احتلال مدينة غزة

في هيئة الأركان يدور في الآونة الأخيرة نقاش مهني حاد حول مسألة الاحتلال المرتقب. رئيس الأركان، زامير، يقود التوجه المفضل لصفقة جزئية – التي قد تجعل الاحتلال غير ضروري – في مواجهة بعض مرؤوسيه الذين يطالبون “باستغلال الزخم”، احتلال المدينة في أقرب وقت ممكن وفرض شروط الكابينت على حماس. برأيهم – يمكن القيام بذلك من دون تعريض حياة الأسرى للخطر.

معركة مواصلة الحرب

الانقسام ليس فقط في صفوف الجمهور الإسرائيلي حول استمرار القتال في القطاع: بل حتى بين قيادة الجيش العليا هناك خلاف مهني حاد بخصوص مسألة الأسرى واحتلال مدينة غزة. في الواقع، هناك مدرستان:

     1.  المدرسة الأولى – يقودها رئيس الأركان أيال زامير، وتفضّل إبرام صفقة أسرى جزئية الآن – وهي صفقة حماس موافق عليها مسبقاً. مثل هذه الصفقة، حسب رأيه، ستجعل الاحتلال الكامل للمدينة أمراً مؤجلاً إلى وقت لاحق، وذلك فقط بعد اتضاح نتائج المفاوضات الشاملة لإطلاق سراح الأسرى وإنهاء الحرب عقب تنفيذ الصفقة الجزئية.

     2.  المدرسة الثانية – التي يعتنقها عدة جنرالات وألوية في مواقع قيادة ميدانية عليا، وتؤكد وجوب السعي مباشرة إلى صفقة شاملة يتم الاتفاق في إطارها مع حماس على إطلاق سراح جميع الأسرى، وعلى شروط لإنهاء الحرب تكون مقبولة على الحكومة الإسرائيلية، وإنهاء حكم حماس في القطاع، وضمان أمن مستوطنات الغلاف على المدى الطويل.

خلاف مهني لا سياسي

يجب التأكيد أن الحديث يدور عن خلاف مهني وليس أيديولوجي–سياسي مثل ذاك القائم في الكابينت بين وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الراغبين بإعادة الاستيطان في القطاع، وبين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الوزير للشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، ووزراء آخرين يرفضون ذلك في هذه المرحلة.

نقاط اتفاق بين المدرستين

رغم الخلاف، ثمة نقاط اتفاق:

     •   كل من رئيس الأركان والجنرالات الذين يؤيدون الصفقة الجزئية لا يستبعدون في نهاية المطاف احتلال مدينة غزة، لكنهم يريدون منح المفاوضات الوقت الأطول الممكن لإطلاق سراح جميع الأسرى وتحقيق أهداف الحرب عبر التفاوض.

     •   المفاوضات، حتى وفق رؤية رئيس الأركان، ستتم بالتوازي مع ضغط عسكري مكثف على حماس، عبر إجلاء نحو مليون وربع نسمة، ثم تنفيذ عمليات عسكرية هجومية متصاعدة تدريجياً.

رئيس الأركان يعتقد أن لا ضرورة للاستعجال بهذه الخطوات، بل يجب أولاً فرض حصار على غزة، وبعده إجلاء السكان، ومن ثم البدء بالمناورة الهجومية في أماكن خالية من الأسرى وفق معلومات استخباراتية مؤكدة – وكل ذلك تدريجياً للحفاظ على حياة الأسرى وتقليل خسائر الجيش. كما يسعى لاستخدام الحد الأدنى من الفرق القتالية أثناء الحصار والمناورة لتقليل الاستنزاف، خصوصاً في قوات الاحتياط. عنصر إضافي في خطته هو إدخال مساعدات إنسانية لإعادة جزء من الشرعية الدولية التي تكاد تكون مفقودة. لكن الثغرة الأساسية في خطته أنها لا تسمح بممارسة ضغط متواصل على حماس وتحتاج لوقت طويل، ربما سنة كاملة، لتحقيق النتائج.

موقف المدرسة الثانية

أما المدرسة الثانية من الجنرالات والألوية فتدعي أنه إذا ذهبنا إلى صفقة جزئية سنفقد الزخم ونخسر القدرة على استغلال الضغط الهائل الواقع على حماس. من تقارير الاستخبارات ومن تصريحات حماس والوسطاء يتضح أن حماس تأخذ على محمل الجد تهديد احتلال القطاع، وبالتوازي مع استعدادها العسكري لمواجهة الجيش، فإنها تبحث عن كل وسيلة لمنع هذا الاحتلال الذي، حسب الاستخبارات، سينجزه الجيش بلا صعوبة كبيرة.

هدنة لمدة 60 يوماً مقابل إطلاق بعض الأسرى ستمنح حماس فرصة للتعافي، وستؤخر أو تُفشل إخلاء السكان من المدينة، وما تبقى من شرعية دولية لإسرائيل سيتآكل أكثر، والأهم – بالنسبة لنتنياهو – أن ترامب سيفقد صبره ويطالب بإنهاء الحرب.

قادة الجيش المطالبون باحتلال غزة يؤكدون أن النتيجة ستكون أننا سنضطر في نهاية المطاف إلى احتلالها، لكن في الأثناء، بسبب الجوع أو الأمراض، سنفقد أسرى وشرعية دولية ولن نحقق أهداف الحرب كاملة. يقول قائد كبير في الجيش: “الأفضل أن نضغط الآن، عندما حماس تصرخ طلباً للمساعدة، لا أن نمنحها فرصة للتعافي. إذا ذهبنا لصفقة جزئية وانتظرنا، سنفقد الفرصة لأخذ أهم معقل لها – مدينة غزة. حماس ستبقى في القطاع وتواصل العمل كمنظمة حرب عصابات، وستستمر الحرب سنوات طويلة”.

ويضيف: “نصف المدينة بالفعل في أيدينا – نحن في الزيتون ودرج وتفاح، الدبابات تتحرك في حي الصبرة. في كل الأحوال سنضطر لدخول غزة لتدمير شبكة الأنفاق الرئيسية تحتها. وإذا لم تُدمّر، فلن ينعم مستوطنو الغلاف بالهدوء”. لذلك، يطالب قادة المدرسة المناهضة للصفقة الجزئية بالسيطرة الفورية على المدينة والتوقف فقط إذا وافقت حماس على إطلاق كل الأسرى وقبول شروط الحكومة الإسرائيلية.

الحصار والإخلاء والمناورة

هذا النقاش داخل هيئة الأركان ليس جديداً، وأحياناً يظهر للعلن، كما حين نُشر عن الخلاف بين قائد سلاح الجو الجنرال تومر بار وقائد المنطقة الجنوبية الجنرال ينيف عشور بخصوص قواعد الموافقة على أهداف للقصف الجوي.

قرار الكابينت – تسوية بين المدرستين

المثير أن قرار الكابينت المصغر هذا الأسبوع، بتوصية ودفع من نتنياهو، يشكّل عملياً تسوية بين المدرستين: فقد تقرر التوجه لمفاوضات على صفقة شاملة لا جزئية، وأن المفاوضات ستُدار تحت النار، بما في ذلك احتلال غزة إذا استمر رفض حماس.

الخطة العسكرية التي يجري تطبيقها هي تلك التي أوصى بها رئيس الأركان – استعدادات إنسانية وعسكرية جارية حالياً، بعدها إخلاء السكان، ثم حصار، ثم مناورة لمراكز المقاومة داخل المدينة.

وليس عبثاً أن يسمي رئيس الأركان هذه الخطة “مركبات جدعون ب”. الفارق بين الخطة التي عرضها وبين ما يجري تنفيذه الآن هو في الجدول الزمني الذي يريد نتنياهو تقصيره، وبذلك يميل إلى المدرسة الأكثر هجومية في هيئة الأركان – لا لدوافع عسكرية بحتة، بل لأنه يخشى من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

الجنرالات الذين يطالبون باحتلال غزة الآن يعززون موقف نتنياهو بقولهم إن لدينا معلومات استخباراتية جيدة بما يكفي، وإن الوسائل الأخرى التي نتخذها فعّالة أيضاً لمنع الإضرار بالأسرى الأحياء الذين، برأيهم، سيحافظ عليهم حماس لأنها تعتبرهم الأصل الوحيد المتبقي لها في الوضع الراهن.

كلمة الفصل لرئيس الأركان

وفق القانون والعرف العسكري، رئيس الأركان هو صاحب القول الفصل. قراره ملزم للجيش بأكمله، وموقفه أمام المستوى السياسي أو الجمهور هو الموقف الرسمي للجيش. لكن الجنرالات الذين يحملون الرأي الآخر لا يتنازلون بسهولة حتى بعد قرار الكابينت، ويضغطون بطرق مختلفة لتطبيق رؤيتهم

عن يديعوت
ترجمة عصمت منصور

 

 

Loading...