تظاهرة البيت الأبيض الأخيرة!

في عهد ترمب الذي لم يُكمل سنته الأولى بعد، تميّزت السياسة الأمريكية بافتقارٍ واضحٍ إلى الجدّية والصدقية والفاعلية.

ذلك بسبب ارتجالات الرئيس ترمب المتسرعة وتناقضاته، ولقد تبلور إجماعٌ شاملٌ حوله بأنه الرئيس الذي لا تعتمد أقواله ولا يُبنى عليها ولو ليومٍ واحد.

وبشأن الحرب على غزة ومنذ بداية حملته الانتخابية، ووصوله إلى البيت الأبيض، أثبت أنه أكثر المعنيين بها، كلاماً واستعراضاً وأقلهم إنتاجاً.

وفي هذا السياق، جاء الاجتماع الموسع الذي أجراه في البيت الأبيض، للبحث في اليوم التالي، الذي يلي توقف الحرب.

كانت تقديراته المرتجلة حددت أسبوعين إلى ثلاثة، بينما تقديرات موفده ويتكوف، وصلت إلى ثلاثة أشهر أو أربعة، ثم ما لبث الرئيس أن تراجع عن الأسابيع ليتحدث عن صراعٍ أبدي لا نهاية له، بما يجعل من اليوم التالي، أمراً يكاد يكون وهمياً.

ولعل ما يجسد قلة الجدية في اجتماع البيت الأبيض الموسع، هو مشاركة توني بلير، الرجل الذي ما أن غادر رئاسة الوزراء في بريطانيا، حتى انصرف إلى البحث عن وظيفةٍ في الشرق الأوسط، وقد حصل عليها بالفعل كمبعوثٍ دوليٍ رفيع اقترن اسمه بالفشل واللاجدوى، حتى ذوى وغاب مع الأيام، وها هو يجد وظيفةً جديدة عنوانها، تحضيرات اليوم التالي للحرب على غزة، والمفارقة أنه لا يعرف متى يأتي هذا اليوم.

ترمب ومبعوثوه ومساعدوه (الإمّعات) الذين يعملون وأيديهم على قلوبهم خشية غضبه وطردهم من وظائفهم بجرّة قلم. ترمب وبعد انقطاعٍ عن الشأن الغزي لعدة أسابيع، وغياب ويتكوف عن منتدى الوساطة، وبعد الفشل المدوي لرهاناته على وقف الحرب الروسية الأوكرانية، من خلال اللقاء الذي تم مؤخراً مع بوتين، عاد للعب من جديد على ملعب غزة، فكان أن اختار اليوم التالي كعنوان، واستضافة اجتماعٍ موسع ليثبت أن غزة عادت إلى جدول أعماله، وأنه يتطلع إلى إدارتها بعد الحرب، ليحولها إلى ريفييرا بعد إخلاءها من أهلها، وهو بهذا خاطب الداخل الأمريكي والإسرائيلي.

نتنياهو أكثر اللاعبين درايةً بمزاج ترمب وتقلباته، والأكثر استغلالاً لهذا المزاج في خدمة أجنداته، لذا سارع إلى إرضاء نزوات حليفه، فأعلن أنه يؤيد إدارةً أمريكية لغزة، دون تحديدٍ لطبيعة عمل هذه الإدارة، وهل ستكون قبل الريفييرا أم بعدها؟!

في عهد ترمب تحول البيت الأبيض الذي أرعب العالم عقوداً إلى مكانٍ يتناقص وزنه في القضايا الدولية، حتى أن رئيسه يفتش أو يختلق وقائع لإثبات وجوده وقدراته، مع أن الراصد لعمله منذ قدومه إلى سدة البيت الأبيض حتى يومنا هذا، لا يجد غير العجز والفشل والمراوحة بين القضايا الساخنة، دون إنجاز أي تقدم جدي نحو حل أيٍ منها، وأوضح شاهدٍ على واقع الحال بعد أوكرانيا، هي غزة وأيامها الراهنة ويومها التالي.

اجتماع البيت الأبيض ومشاركة توني بلير فيه وجاريد كوشنير مع تواجد وزراء نتنياهو على مقربةٍ منه أو في داخله، كل ذلك يؤكد أن الاجتماع لا يزيد عن كونه تظاهرةً دعائيةً لا مردود لها على أرض الواقع، سوى تغطية الحرب والهروب من استحقاق وقفها.

البيت الأبيض ومستشاروه وكبار موظفيه يعرفون كيف تُعالج حرب غزة وكيف تتوقف، يعرفون أن أمراً صريحاً يصدرونه لنتنياهو ينهي اللعبة في ساعات، ويعرفون كذلك أن اليوم التالي على حرب غزة، ليس إدارة مشروعٍ استثماريٍ خيالي، عنوانه الريفييرا التي تقام على دمارٍ شاملٍ، ورمالٍ تغطيها الجثث والدماء، ولكنهم لا يتصرفون وفق ما يعرفون وإنما وفق ما يمليه اللوبي الصهيوني الفعّال الذي يمتد من قلب تل أبيب ليصل الكونغرس والبيت الأبيض.

 

Loading...