الاختراعات اللبنانية

 

 

 

لم يخترع لبنان فكرة نزع السلاح، أو حصره بيد الدولة. لا فرق في حال الاتفاق على ذلك، فمثل هذه الأفكار أو الخطط، المطلوبة من القيادة العسكرية اللبنانية لتقديمها في نهاية الشهر، شهدتها ومرّت بها دول أخرى لديها تجارب ناجحة في نزع سلاح جماعات مسلحة ودمجها في كنف الدولة.

خذوا على سبيل المثال إيرلندا الشمالية (اتفاق الجمعة العظيمة الذي أدى إلى نزع سلاح الجيش الجمهوري الإيرلندي تدريجياً)، أو تجربة الميليشيات في البلقان بعد حروب يوغوسلافيا، أو اتفاق السلام في كولومبيا مع حركة "فارك".

إلا أن خصوصية الحالة اللبنانية—بتشابك بُعديها الداخلي والإقليمي (إيران)، بالإضافة إلى دور إسرائيل وسوريا—تجعلها حالة فريدة من نوعها. وبالتالي، لا يمكن استعارة أي من النماذج

يجب الاستفادة من دروس تلك التجارب، وأهمها أن نزع السلاح لا يتم بالقوة وحدها، بل يتطلب مساراً سياسياً توافقياً وإجراءات لبناء الثقة تسبق وتدعم التحرك الميداني. ففي إيرلندا على سبيل المثال، جاء تسليم سلاح الجيش الجمهوري الإيرلندي (IRA) نتيجة اتفاق سياسي شامل تضمن ترتيبات لتقاسم السلطة وضمانات ثقافية للطرف الذي سُلبت منه قوته.

وفي كل الأحوال استغرقت عملية والتحقق من ذلك سنوات عدة. ففي البلقان، اقترن نزع سلاح الميليشيات في دمج بعضها في قوى نظامية ومنح حوافز اقتصادية لمقاتليها السابقين.

بما أن مشروع حصر السلاح في لبنان هو جزء من اتفاق برعاية أمريكية-فرنسية، ارتبط بتبادل وثائق بين المبعوث الأمريكي ومسؤولين في الدولة اللبنانية، يمكن البدء بتنفيذ الخطة فور الاتفاق على تفاصيلها.

أعتقد أن البداية في هذه الحالة يجب أن تكون من شمال الليطاني وصولاً إلى بيروت، حيث لا يوجد احتلال إسرائيلي. أما حصر السلاح في جنوب الليطاني فيبقى شرطاً للانسحاب الإسرائيلي الكامل، على أن يترافق ذلك مع الإفراج عن جميع الأسرى اللبنانيين. وكما أن موضوع حصر السلاح ليس اختراعاً لبنانياً، فإن رسم معالم اتفاق داخلي ليس معجزة من معجزات الكون.!!!

يقول بول أوستر في كتابه "بلاد الأشياء الأخيرة"، حيث يروي قصة فتاة تبحث عن أخيها الصحفي وزميل له اختفيا أثناء تغطية أحداث إحدى الدول: "الانتماء يظهر حين لا تمتلك شيئًا، وتدرك أن ما تبقى لك وما تمتلكه هو الآخرون".

لعلّ الذين يتشبّثون بالسلاح سيدركون يومًا أن ما سيبقى لهم ليس ترسانة الصواريخ ولا الحروب، بل اللبنانيين الآخرين، شركاء الوطن الذين لا مفرّ من العيش معهم في وطن واحد.

التحدي الحقيقي للانتماء هو أن نؤمن جميعًا أن هذا الوطن هو ما يستحق الحماية، لا السلاح الذي يفرق أهله. يجب أن نتعظ قبل أن ينطبق علينا قول شكسبير: "الجحيم خالٍ... والشياطين كلهم هنا".

 

 

 

 

 

كلمات مفتاحية::
Loading...