أجل العالم يتغير؟؟!!

 

 

 

أجل العالم يتغير، روسيا والصين أمام أمريكا، والهند أيضاً، قوى كل منهم تنزع بطبيعة الحال إلى أن تكون امبراطورية كبرى، صعود القوى في النظام الدولي عملية معقدة تعتمد على تنامي مختلف مقومات القدرة والقوة الخاص بالدولة وتفاعلها مع النظام السياسي من جهة، ومع مختلف السياقين الاقليمي والدولي لهذا الصعود من جهة أخرى، التحول في مفهوم القوة بصعود دول تمتلك مقومات القوة تفوق تلك التي تمتلكها الدول المهيمنة أو تعادلها، وبالانتقال من القوة العسكرية إلى الاقتصادية وتحول مركزها من الدول الغربية إلى قوى صاعدة في الشرق بسبب قدرتها على التكيف وجذب الاستثمارات واستيعاب التقانة مما يجعلها ذات تأثير اقتصادي وسياسي في العلاقات الدولية.

بدأ التحدي الصيني الأمريكي منذ تعاظم الطموح الصيني كزعيم للتيار الشرقي المناهض للغرب مقابل التكتل الغربي بقيادة أمريكا، والقلق الأمريكي من صعود الصين كقوة عظمى سياسية واقتصادية وعسكرية ينبئ أن العالم ينتظره ما هو أشد هولاً، لاشك أن ما يحدث الآن في قمة شنغهاي جولة في جولات اللعبة الكبرى بين القوى العظمى والتي تقوم على استعراض القوة والمستند على الاقتصاد، اليوم ومع تغير المشهد الجيوسياسي العالمي ومع تراجع الغرب "أوروبا ظاهرة في طريقها إلى التلاشي بعدما استنفذت امكاناتها التاريخية والامبراطورية والثقافية"، تتجه أنظار العالم إلى الشرق مع ظهور قوى اقتصادية "الصين والهند" وصعود كتل جديدة "شنغهاي وبريكس"، فالنظام القديم يحتضر، فيما صورة العالم الجديد لم تتضح على الرغم من سيادة سياسة القوة، سباق تسلح يتسارع، وصراع اقتصادي، وتكتلات ليس فقط بين أعداء الغرب بل كذلك يتضمن دولاً تسعى إلى تنويع خياراتها، ودولاً تشعر بأن وضعها العالمي يتحسن إذا ضعف الغرب مثل الهند التي لا تطمح إلى عالم تكون فيه الصين دولة عظمى وإنما تصبو إلى عالم فيه توازن بين القوى.

محاولة ترمب لإرساء نهج جديد بالبلطجة والابتزاز والتهديد والتلاعب بمصائر الجغرافيا ومصائر الشعوب، واعطاء أمريكا فرصة لتتمكن من المنافسة لإعادتها كقوة صناعية وترتيب تحالفاتها، قام باستعداء المجتمع الدولي ووضع العالم أمام الطوفان الأمريكي حرب جيواقتصادية أعلنها ترمب بعد اعطاء أوامره بعملية جباية وفرض تعريفات جمركية عقابية على المنتجات المستوردة، أشعل الشرق الأوسط في ظل التقاطع بين الجنون الأمريكي والجنون الإسرائيلي،  كما لو أن إسرائيل لا تقتل ولا تقاتل على كل الجبهات لتحويل الشرق الأوسط إلى مقبرة وتفتيته إلى كنتونات دينية وعرقية ومذهبية وعشائرية، وأشعل القارة الأوروبية ووضع العالم أمام أخطر صراع جيوسياسي بعد أن أصبحت أوكرانيا مسرحاَ لعروض الأسلحة استخدمت فيها كافة أنواعها الا النووي منها.

العالم يقف على أعتاب تغيرات جذرية وصل إلى حد احتقان عند كل الأطراف قد يؤدي إلى حرب بلا ضوابط قد تتخذ منعطفاً خطيراً خاصة بعد تجاوز الخطوط الحمراء ستنضم اليها دولاً وجيوشاً نظامية، ويرى أمريكا الآن دولة مارقة يقودها رجل قوي ومتهور منفصل عن سيادة القانون والمبادئ المنصوص عليها في الدستور، فلابد من حشد دولي لمواجهة القرن الأمريكي، قمة شنغهاي خارطة طريق لمشروع استراتيجي طويل الأمد ستساهم في الدفع من خلالها نحو تعددية مراكز القوى وتعزيز حضورها الاقتصادي- السياسي الدولي، لمواجهة الهيمنة الأمريكية والسعي لنظام دولي متعدد الأقطاب، واضافة مؤسسات ذات طابع عالمي في مجال التنمية والتمويل منافسة للمؤسسات القائمة حالياً، اصلاح النظام المالي العالمي وانهاء هيمنة الدولار الأمريكي والبحث عن بدائل، ورغم أن تركيز واهتمام هذه القمة بالموضوعات الاقتصادية الا أن هناك قضايا أخرى لا تخلو من بعض النوايا السياسية والجيوسياسية ذات طبيعة تنموية محل اهتمام هذه القمة، فتضمن البيان الختامي موقفها حول العديد من القضايا الاقليمية والدولية التي يعانيها عالمنا وكيفية التعاطي الدولي معها وخاصة الصراع العربي الإسرائيلي، الحرب في غزة وردة الفعل الأمريكي منها وتكهنات حول حدوث تفاعلات استراتيجية خطيرة ووشيكة للمنطقة كلها.

الصين وروسيا جمعهم خندق واحد في مواجهة المعسكر الغربي الذي تقوده أمريكا، فتقاربت الدولتان نحو شراكة استراتيجية وتنسيق سياسي في كثير من المواقف السياسية الدولية والاقليمية تجسدت في تأسيس الدولتين لأطر تعاون مؤسسي مثل منظمات بركس ومنظمة التعاون شنغهاي ومنظمة R.I.C، روسيا، الصين، الهند، ايران، الباكستان وما تمثل بالقوة التكنولوجية والقوة الاقتصادية والقوة العسكرية، إضافة إلى العدد الهائل من البشر وهو من المحددات الرئيسية للقوة الشاملة للدولة ومكانتها الاقليمية والدولية ومدى تطورها ولا سيما في اطار التطورات المتسارعة التي يشهدها النظام الدولي، وأصبحت اقتصادات دول شنغهاي العشرين مكملة لبعضها تملك أوراقاً استراتيجية احتياطات ضخمة من الغاز والنفط والمعادن والممرات البحرية، إضافة إلى التكنولوجيا.

في ظل التجاذبات والاصطفافات في العالم ينظر الغرب إلى الهند على أنها قوة موازية لنفوذ الصين المتنامي في العالم مما جعل منها محور استقطاب عالمي وقوة اقتصادية صاعدة تتحرك بشكل كبير نحو تحقيق دور فاعل في النظام الدولي، ولكن أكبر التحديات الاستراتيجية المباشرة للهند من منظور الأمن القومي الهندي هما الصين والباكستان اذ تتقدم الصين عسكرياً واقتصادياً على الهند، بالإضافة الى التكنولوجيا والنفوذ السياسي كونها عضو دائم في مجلس الأمن توقف أي قرار يكون لمصلحة الهند وإبرازها عالمياً، والحدود البحرية مع الصين التي تنشئ علاقة صراعية بطبيعتها، والتقارب الصيني الباكستاني الذي يهدف إلى ابقاء الهند في حالة انحدار وتراجع والمتجسد في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي أدى إلى تغيير كبير في الجيوبوليتيك للهند وخاصة عندما أيدت الصين سيطرة الباكستان على أراضي تدعي الهند السيادة عليها "أزمة كشمير"، لمواجهة هذه التحديات سعت الهند إلى التقارب للدول الكبرى والانفتاح على أطراف عدة فكانت شراكة استراتيجية شاملة "تحالف اوكوس، كواد لدعم البحار الحرة والمفتوحة" مع أمريكا، ومشاريع الممر الاقتصادي الذي يربط الهند بالغرب مروراً بالشرق الأوسط الجديد من أجل مواجهة خط الحرير الصيني ومواجهة التحدي الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري من الصين وتمددها في المنطقة.

بعد الحرب الروسية الأوكرانية التي شكلت تحدياً كبيراً للعالم وبالأخص للهند واختباراً لعلاقة الهند التاريخية بروسيا، اذ أن ما يقارب 60% من مخزون الدفاع في البلاد من أصل روسي بالإضافة إلى امدادات الطاقة، فلم تؤيد العقوبات ضد روسيا ونأت الهند بنفسها واختارت الحياد والانحياز الاستراتيجي للمحافظة على مصالحها وعلاقاتها، الهند استشعرت بالخطر من علاقتها المستمرة مع أمريكا لا تريد أن تكون في حلف ضد حلف أخر ولا تريد أن تكون محصورة في محور قوة معين في النظام الدولي، تريد أن تستفيد من كل الفرص المتاحة لها من روسيا أو فرنسا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو حتى مع الصين وغيرها من الدول في العالم في ظل هذه البانوراما القائمة ومستقبلها المتشابك الى درجة كبيرة مع تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط والشرق الأوربي وبحر الصين وامريكا اللاتينية، تدرك الصين المخاطر الاستراتيجية الكامنة في استمرار الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي سواء على المستوى السياسي أم الاقتصادي، والتهديدات الهائلة للصين في حال نجاح التحالف الغربي الأمريكي المتمثل بحلف الناتو في كسر روسيا، لتخرج الصين بالثالوث النووي وأسلحة فرط صوتية وأسلحة ليزرية متطورة في تحد„ مباشر للهيمنة الأمريكية تقول «أهلا" بأمريكا» فالويل للعالم إذا استفاق التنين. 

 

 

 

Loading...