لا أفق للسلام، لا بل صراع مفتوح وتهديدات نووية، استمرار التصعيد والاستفزازات منذ بدأت روسيا حربها على أوكرانيا، تطورات خطيرة ربما تغير مجرى الأحداث بشكل كبير وقد يفتح أبواباً لمواجهة مباشرة، بوتين لا تزال لديه طموحات اقليمية كبيرة لم تتحقق في أوكرانيا عززت هواجس الغرب بشأن تمدد محتمل لروسيا قد يطال أراضي التكتل الأوروبي خط الدفاع الأول للمواجهة، فسقوط أوكرانيا يعني سقوط دول أوروبية أخرى، مما دفع الغرب لبناء خط دفاع مشترك وتعزيز الوجود الأمريكي والأطلسي وتكثيف النشاط الاستخباراتي والأمني بالمنطقة تحسباً لأي فعل روسي، عملية عسكرية جديدة "الحارس الشرقي" أطلقها حلف الناتو كرد فعل أوربي عقب اختراق مسيرات روسية الأجواء البولندية، لتصبح روسيا في متناول صواريخه، نعم قد يكون هذا المشهد من ضمن سيناريوهات كبيرة قادمة عليه القارة الأوربية بأكملها، ولن يستثني أحداً.
تهديد وتهديد مضاد بين بولندا وروسيا التي نفت صحة هذه الانتهاكات، ليصرح الكسندر دوغين الخبير الاستراتيجي الروسي "إما أن نهاجم بجدية أولا نفعل، ولكن هذه المرة لن نصرخ قائلين أننا لم نفعلها، سندعهم يبحثون بأنفسهم"، بلاده لم تتقدم خطوة واحدة تجاه الغرب الأوربي، ولكن "إذا أرادوا الحرب فسيحصلون عليها"، تحذير بوتين لدول الناتو أن روسيا لن تقبل هذا الوضع "أي قوات غربية في المنطقة ستكون أهدافاً مشروعة"، فالحارس الشرقي استفزازاً مباشراً وتهديداً للأمن الروسي الاقليمي مما يزيد المخاوف الدولية من حدوث مواجهة عسكرية أوربية روسية في شرق أوروبا، فالانتهاكات وإن كانت بالخطأ "الدول الكبرى لا تخطئ!!" تهدف إلى زعزعة استقرار الجناح الشرقي لحلف الناتو قد يصل إلى نشوب حرب جديدة تكون امتداداً لحرب روسيا وأوكرانيا، وروسيا بعد قمة شنغهاي ستضرب بعنف مستندة على الشركاء الصين وكوريا الشمالية، توازن قوى عالمية واستراتيجيات جغرافية جديدة تقوض أمن أوروبا وأمريكا.
تعد بولندا أحد أكبر دول الكتلة الشرقية السوفياتية، فيها تم توقيع معاهدة حلف وارسو مقابل حلف الناتو ابان الحرب الباردة وبقيت حتى عام 1989 مع بداية تفكك الاتحاد السوفياتي، وشكلت بولندا خط الدفاع الأول اتجاه روسيا التي دخلت حلف الناتو عام 1999 وفي الاتحاد الأوروبي عام 2004، ولم يكن رد فعل بولندا وطريقة تعاطيها مع الحرب الروسية الأوكرانية سوى ترجمة حقيقية لموقفها الثابت من روسيا وتخوفها الدائم من تطلعات وطموحات بوتين الاقليمية فكانت محوراً للتحركات الغربية لردع روسيا وكانت أول المندفعين لتطبيق سياسة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا ومحاصرتها وفرض حالة من العزلة عليها، بالإضافة إلى دعمها لأوكرانيا اللامحدود فأصبحت أكثر دول أوروبا الشرقية عداء لروسيا وأبرز داعمي أوكرانيا من حيث حجم المساعدات العسكرية واللوجستية عبر تدريب العسكري للمقاتلين الأوكرانيين، دافعت عن أوكرانيا بالمحافل الدولية وأصبحت دولة عبور للمعدات الغربية إلى أوكرانيا وتأمين الأسلحة والمقاتلين، ذلك بسبب موقعها الجيوبوليتك فهي دولة تقع في أوروبا الوسطى منطقة فاصلة بين الشرق والغرب حيث تصل حدودها المشتركة مع أوكرانيا إلى(530 كم)، تحدها ألمانيا غرباً والتشيك وسلوفاكيا جنوباً وبيلاروسيا شرقاً وبحر البلطيق وليتوانيا شمالاً، ولها حدود فعلية مع روسيا في جزيرة كالينينغراد التي تحيط بها كل من بولندا وليتوانيا وتطل شمالا على بحر البلطيق.
احتمال انضمام بولندا إلى الحرب مرتفع للغاية، فالتوتر بين بولندا وروسيا أزلي وتاريخ صراعات لا تنتهي، حذر بوتين بولندا بتصريحات استفزازية سابقة "بأن المناطق الغربية في بولندا الحالية كانت هدية من ستالين للبولنديين في نهاية الحرب العالمية الثانية"، ولكنها لن تبدأ بالخطوة الأولى بإعلان الحرب على روسيا وبيلاروسيا دون الدعم الكامل والموافقة الأمريكية والغربية، هناك احتمال أن تكون هذه التحركات والتدريبات بمثابة رسائل ردع ليس الا، ولكن قد يؤدي سوء الفهم إلى وقوع حادثة قد تثير شرارة الصراع بين الجانبين المتأهبين تكون ضحيتها أوروبا الشرقية والتي تعتبرها واشنطن وأوروبا الغربية خارج العالم المتحضر ومواطنين ليسوا من الدرجة الأولى، الصراع عميق والحرب عملياً بدأت منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكيك حلف وارسو والحرب الدائرة في أوكرانيا ماهي الا اعادة المواجهة بين روسيا والغرب إلى الواجهة مجدداً، وستظل العلاقات المستقبلية بين الطرفين الروسي والغربي خاضعة لظاهرة العداء المتأصل الذي يسود تصور العالم الغربي لروسيا.
لا دور لأوروبا سوى دور التابع، وأوروبا تدفع ثمن تبعيتها للولايات المتحدة الأمريكية قادة أوروبيون يجلسون كتلاميذ أمام ترمب، رمزية الصورة تبنى على محورين أساسين: المركزية الأمريكية والمحيط الأوربي، مما يوحي بهيمنة واشنطن كمرجع قرار، أوروبا أخطأت في تقييم الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ومن المحتمل أن تغير هذه الحرب الكثير في النظام الأوربي الذي لم يعرف الاستقرار الأمني والسياسي، بل وحتى الاقتصادي والطاقي على مدى قرون وفترات متباينة في الوقت الذي ينعكس فيه طابع التعامل السياسي المجرد مع الأزمة سلباً على العلاقات الأوروبية- الروسية، واقتصادياً في ظل أزمة مالية خانقة يعيشها الاتحاد الأوروبي تلقي بظلالها على الأمن الأوروبي الذي دخل مرحلة حرجة من المواجهة الجيوسياسية والاقتصادية.
العالم مقبل على تحولات متسارعة وضهور أقطاب اقتصادية جديدة وما السياسة إلا انعكاس للاقتصاد وقد يؤدي ذلك إلى تغيير الأقطاب السياسية، أوروبا ستقع فريسة لعبة المحاور بين القوى العظمى مع اقتراب انتهاء العصر والتفوق الغربي، لا مفر لأوروبا سوى إيقاف الحرب واستعادة علاقاتها مع روسيا لإعادة التوازن الاستراتيجي ومنح العالم الأمن والسلم، وفي حال فشل الأطراف المتنازعة في الوصول إلى تسوية سلمية وتقديم تنازلات فان أوروبا ستكون الخاسر الأكبر من هذه الحرب ستدفع من وحدتها واستقرارها ثمن لها، إذن لا مفر من السلام ورفع الوصاية الأمريكية التي ستأخذنا إلى الجحيم، "وهل كان لأمريكا أن توجد وأن تتطلع لتكون أعظم امبراطورية على امتداد الأزمنة لولا القارة العجوز".