بصفته مفوض عام الأونروا-الوكالة الدولية لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن السيد/فيليب لازاريني يتحمل كامل المسؤولية عن الكارثة الوظيفية التي أصاب بها 625 موظفا من النساء والرجال ممن اضطرتهم حرب الإبادة الصهيو/أمريكية على غزة إلى الرحيل عنها سعيا إلى إنقاذ حياتهم وأرواح أسرهم وبنيهم.
كم نأمل ونسعد لو كان السيد لازاريني يدرك أن "إنقاذ الحياة" إنما هي ركيزة
أساسية للنظام الذي تلتزم الأونروا به.
بإعادة تفعيله للمادة (105.3) ضمن قوانين عمل الموظفين المحليين في سياق الإجازة الاستثنائية والتي تم تجميد العمل بموجبها منذ عام 2015 (حيث لم تكن حرب إبادة، كما لم يكن فقر ولا جوع أو تجويع)، فإن لازاريني إنما يبرهن على أنه يعمل ضد منطق الحياة الذي يقول بوضوح وصراحة إن اللاجئين الفلسطينيين في غزة يعانون أشد المعاناة وأقساها من هذه الحرب الإبادية التي لم يسبق لها في الوحشية مثيل، حيث لا طعام ولا ماء ولا مال ولا أعمال. لا شيء، البتة!!!
إن السيد/ لازاريني الذي بإعادة تفعيله للمادة(105.3)التي تفيد بأن "مفوض عام الأونروا له حق المبادرة, من تلقاء نفسه، إلى أن يضع الموظف جبرا على إجازة استثنائية دون راتب إن كانت وجهة نظره أن للوكالة في ذلك غاية أو نفعا أو مصلحة", فإنه يكون بذلك قد ارتكب جريمة استثنائية فاضحة وفادحة توجب على جميع الموظفين، نساء ورجالا، سواء في داخل غزة أو خارجها، أن يركزوا أكثر على الدور الذي كانت الأونروا قد أنشئت من أجل القيام عليه والاطلاع به والعمل بمقتضاه بغية إنجازه: أليست الأونروا هي مؤسسة الوكالة المعترف بها عالميا والتي تحمل رسالة الدفاع عن اللاجئين الفلسطينيين (أينما وجدوا- سواء في غزة أو خارجها) وحمايتهم من خلال إغاثتهم وتوفير أعمال لهم؟
وبما أن التفويض الذي تدير "الأونروا" مهامها وتنجز أعمالها بمقتضاه يقضي بتقديم العون للاجئين الفلسطينيين وتوفير الحماية لهم إلى أن يتحقق حل نهائي دائم لأزمتهم", فإن السؤال الذي ينتصب بقوة وعلى الفور هو: "هل في مكنة هذا التصرف الفج الذي أتى عليه لازاريني أن يؤدي إلى-او أن يساعد في-تحقيق أو تجسيد تفويض الأونروا إنسانيا وتطويريا بهدف رفد اللاجئين الفلسطينيين بالعون وسبل الحماية إلى أن يتحقق الحلم الدائم والعادل لمعضلتهم؟! الجواب بمنتهى الوضوح واليسر والمباشرة هو: "لا", بل "لا كبيرة جدا"!!!
إن توجيه مزيد من الأسئلة حول هذا الموضوع من شأنه أن يكشف-يقينا- الصفة النوعية الآدمية التي ينتمي إليها السيد/لازاريني، مع أبلغ الأسف وأشده:
(١) ألم يكن إنشاء الأونروا للدفاع عن اللاجئين الفلسطينيين وحمايتهم عبر توفير الإغاثة وتوفير الأعمال لهم؟!
واستنادا على ذلك، هل يكون السيد/ لازاريني --عبر إجرائه الجرمي الكارثي بفرض إجازة استثنائية على مدى عام كامل، دون راتب--قد ساعد اللاجئين الفلسطينيين بتقديم مواد إغاثية لهم وتوفير سبل ومتطلبات الحماية لهم، أم أنه قد حرمهم من الاثنتين معا، حيث لا إغاثة، قط، ولا حماية؟!
(٢) هل يمكن لقفزة لازاريني العمياء ان تعكس على نحو جدير بالملاحظة والتميز والاحترام هذا الاسم العالمي (الأونروا- UNRWA) الذي يملأ الدنيا في جهاتها الأربع؟! وهل هذه الخطوة الخرقاء التي اتخذها لازاريني يمكنها أن تترجم بصدق ما تنهض به الأونروا من مهام ووظائف وإنجازات في إطار الدفاع عن اللاجئين الفلسطينيين وحمايتهم؟!
ولكي يعكس السيد/لازاريني بصدق ومسؤولية ما للأونروا من قيمة يعبر عنها اسمها البارز المعروف وعنوانها المائز المألوف وشهرتها الأخاذة في الآفاق، فإن على السيد/لازاريني أن يفهم تماما وأن يعي ويحاذر جيدا من اتخاذ خطوات أو إجراءات من شأنها أن تسيء إلى الأونروا فتشوه اسمها وسمعتها وشخصيتها. وعليه، فإنه ما كان ينبغي للسيد/لازاريني أن يقترف تلك الجريمة بفرضه إجازة استثنائية بلا راتب على 625 من موظفيه على الرغم من أنهم على رأس أعمالهم عن بعد (on-line) قائمون، وذلك إعمالا للخطة التعليمية المعتمدة من مدير عمليات الأونروا، السيد/سكوت أندرسون، والسارية المفعول حتى تاريخه.
ومهما يكن الأمر، فإن خطوة لازاريني الكارثية ضد "الآدمية" وضد "الأسس والمبادئ الأخلاقية" وسط الأهوال التي فرضتها حرب الإبادة الجنونية وتسييل بحور من الدماء وتدمير كل ما كان من مبان وبيوت ومستشفيات ومزارع وأشجار وجامعات ومدارس ومؤسسات، إنما يحفزنا على توجيه المزيد من الأسئلة والاستفسارات التي يتوجب على السيد/لازاريني أن يفتش لها عن إجابات:
(١) بصفته المفوض العام للأونروا في أراضي فلسطين المحتلة (غزة والضفة والقدس)، هل اضطلع السيد/لازاريني عمليا بدوره المنوط به أصلا، وهو الدفاع عن اللاجئين الفلسطينيين وحمايتهم إلى أن يتحقق الحلم العادل والدائم لمأساتهم؟!
(٢) هل يعتقد لازاريني أن رسالته أو دوره هو أن يوجه تلك الرسالة القاتلة البلهاء التي تقضي بوضع 625 موظفا على إجازة استثنائية جبرا وقهرا، بلا راتب، ولمدة 12 شهرا؟!
(٣) ما الوصف الذي يستحقه السيد/لازاريني لاتخاذه هذه الخطوة المختلة القاتلة ضد 625 من موظفيه، بالرغم من علمه اليقيني عن مأساة خسائرهم في الأرواح والممتلكات؟!
(٤) هل من علاقة تربط بين خطوة لازاريني العمياء والحمقاء ضد مئات من موظفيه وخطوة ترامب البلهاء والخرقاء لمسح غزة من خريطة الدنيا وتهجير أهلها بالقوة؟!
(٥) وحينما يأتي السيد/لازاريني على كل ما أتى عليه من فعل أحمق رديء وطائش-مقبلا عليه غير مدبر عنه-ألا يعي أنه بما يفعل إنما يفرض التهجير على هذه المئات لا لسبب إلا فقدانهم لوظائفهم ورواتبهم؟! وفوق ذلك، ألا يرى السيد/لازاريني أنه-بما أتى عليه من أفاعيل عدائية لشعبنا وقضيتنا، إنما يدعم دولة الاحتلال الصهيو/أمريكي في محاولة تهجيرها لأهل قطاع غزة بالقوة عبر القتل بالرصاص أو الموت بالتجويع؟!
(٦) أي نوع من أنواع "إنقاذ الحياة" يمكن أن تحققها خطوة لازاريني غير الأخلاقية وغير الإنسانية ضد 625 موظفا يعيلون 625 أسرة قد يصل قوامها مجتمعة إلى خمسة آلاف من الآدميين. إن هذا يدفعنا إلى سؤال السيد/لازاريني: “إذا كان "إنقاذ الحياة" ممكنا وسهلا بالنسبة لطاقم موظفيك كاملا وهو بالآلاف، فلم اخترت أن تستسهل التضحية بموظفين يبلغ عددهم 625 هم من بين موظفيك البالغ عددهم بالآلاف لا المئات.
إن كنت، يا سيد لازاريني صادقا في ادعائك وترويجك عن عجز مالي، فإنه ما كان يحسن بك أن تقوم بتحميله كله على 625 موظفا فقط، وتترك الآلاف المتبقين من موظفيك دون أن يتحملوا جزءا ولو يسيرا من عبء العجز المالي الذي تدعيه وتروج عنه.
لا تنس، ابدا، يا سيد لازاريني، الحقيقة المتعارف عليها والقائلة: "مهما كان العبء ثقيلا، فإن من اليسير حمله إن تم بالعدل والإنصاف توزيعه على من يحملونه". يتماشى هذا مع-وفي ذات الوقت يشرح ويفسر-الحقيقة القائلة: "إن كنت تستطيع أن تنقذ حياة آلاف بيسر وسهولة، فلم تستسهل التضحية بمئات اخترتهم أنت من بينهم؟!"
وحيث إننا ما تزال في سياق ادعاء السيد/لازاريني بعجز مالي يروج له, واصفا إياه على غير الحقيقة بأنه "غير مسبوق"، فإننا نتساءل حقا: "إذا كان لازاريني يروج الآن ان الأونروا تعاني الآن من "عجز غير مسبوق" قدره 200 مليون دولار، فإننا نلفت انتباه السيد/لازاريني عن علم واطلاع ويقين إلى حقيقة مفادها أن الأونروا قد بلغ فيها العجز المالي 446 مليون دولار عام 2018, وقد تم التغلب عليه وتعويضه، الأمر الذي من شأنه أن يدفعنا لاستغراب وصف السيد/لازاريني للعجز المالي الذي يدعيه ويروج له بأنه "غير مسبوق!", فهل اختار لازاريني وصف العجز بغير المسبوق ليبرر ما اتخذ من إجراءات عسف وظلم ضد 625 من موظفيه الذين تشمل مسؤوليتهم في كل شيء نحو خمسة آلاف آدمي بين رضيع حديث الولادة وطفل وتلميذ روضة ومدرسة وطالب جامعة وشباب عاطلين عن العمل ومرضى كبارا وصغارا ومتقاعدين نساء ورجالا؟!
(٧) هل تتوافق خطوة لازاريني صدقا وواقعا مع المادة (302.IV) من قوانين الأونروا تحت عنوان: "مساعدة اللاجئين الفلسطينيين؟!". الجواب: "لا", قولا واحدا.
وفي السياق ذاته، نتساءل: "هل من سبب أو مبرر يدفع السيد/لازاريني إلى أن يصدر "حكما بالموت" على خمسة آلاف آدمي موزعين على 625 أسرة تعتمد في معيشتها وفي تعليمها وصحتها-داء ودواء- على 625 موظفا أصدر لازاريني قراره الجائر بحقهم وبحق أسرهم.
(٨) هل تتماشى خطوة السيد لازاريني العمياء مع تقرير الأونروا لعام 2025 حول أهداف التنمية المستدامة؟! الجواب: "لا", خاصة وأن هذه الخطوة الحمقاء هي في دقائقها وتفاصيلها ومجملها متناقضة تماما مع أهداف هذا التقرير تناقضا تاما، حيث نجد في التقرير مثالا لا حصرا أنه:
★١- لا فقر.
★٢- لا جوع
★٣- صحة جيدة ورفاه اجتماعي
★٤- تعليم نوعي: وهنا، علينا أن نتذكر في هذا السياق، دوما، أن ((التعليم ليس في مكنته أن ينتظر في مناطق الصراع))
(٩) ألا يلاحظ السيد/لازاريني أن خطوته الإجرامية لا تتطابق-البتة-ولا تتماشى، بل تتعارض تماما وكليا، مع الهدفين 16 و17 من "تقرير الأونروا 2025 من أهداف التنمية المستدامة" بسبب حرب الإبادة على غزة، حيث "لا سلام" و "لا عدل ولا عدالة" و "لا مؤسسات" و "لا شراكات، ذلك أن في مكنتنا أن نشير إلى شراكات بائسة نرى أن خير مثال عليها تلك الشراكة القاتلة بين لازاريني وموظفيه الذين قام بإطلاق رصاصة الموت عليهم. وعليه، فأي شراكة هذه؟! أنها شراكة بائسة يائسة كئيبة ممزقة منهارة ومحطمة.
وقبل الختام،
فإن من الواجب، بل من الضرورة ذكره أن السيد/لازاريني لو كان صادقا مع نفسه فيما يتصل بفكرة "إنقاذ الحياة"، فقد كان من الواجب ومن الضرورة أن يكون "إنقاذ الحياة" للجميع، وهو ما كان يوجب عليه أن يقوم بتوزيع العبء الناجم عن العجز المالي الذي يدعيه ويروج له على جميع موظفيه البالغ عددهم بالآلاف، فلا يقوم بإيقاعه على 625 فقط منهم.
وباختصار شديد:
لو كان مفوض عام الأونروا، السيد/لازاريني، كفيا مقتدرا وحصيفا وعادلا منصفا لكان قد أوقع مسؤولية تغطية العجز المالي الذي ادعاه وروج له على مجموع الموظفين البالغ آلافا عددهم. لو كان ذلك الذي فعل لكان أفضل وأعدل، ولكان إنجازه أعلى وأكمل.
وختاما، أليس غريبا أن السيد/لازاريني ، مفوض عام الأونروا في الأراضي الفلسطينية المحتلة (غزة والقدس والضفة) الذي لم يدافع يوما عن الأونروا ولم يفعل ما كان واجبا عليه إزاء حمايتها وحماية مقرها وإدارتها ومكاتبها ومنتسبيها وأعمالها من اعتداءات المستوطنين التي لم تتوقف، وكذلك من اعتداءات الجيش الصهيوني المتكررة، أن يحاول هو ذاته، اليوم، القيام بمثل ما أتى عليه من أفعال وخطوات وإجراءات رديئة فجة خرقاء تنم عن استقواء أعمى على اللاجئين الفلسطينيين في غزة الذين يعانون أبشع وأفظع وأوجع أنواع الضعف والهشاشة جراء حرب الإبادة الصهيو/أمريكية المرعبة التي تقتل شعبنا بالقصف والهدم والتدمير والرصاص أو بمنع الدواء أو بالتجويع أو العطش بحجب الماء.