المفاجأة التي وعد بها ترمب، خطة إسرائيلية بغطاء أميركي

 

 

 

أثار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بتصريحاته الأخيرة عن "حدثٍ مفاجئ في الشرق الأوسط لم يحصل من قبل"، موجة من التكهنات حول طبيعة هذه الخطوة. لكن في قراءة لتسلسل المعطيات والأحداث تكشف أن ما يُسوق على أنه "خطة أميركية" ليس إلا إعادة إنتاج لخطة إسرائيلية قديمة، صاغ خطوطها العريضة رون ديرمر، المقرب من نتنياهو، ووضعت تفاصيلها في أروقة مجلس الحرب الإسرائيلي في وقت سابق، مع اعتراض التيار الديني الصهيوني آنذاك.

أولاً: خطة مفخخة بغطاء أميركي

تاريخياً، لم تُقدم الولايات المتحدة خطة في الشرق الأوسط إلا بعد تنسيق مسبق مع إسرائيل. ومن هنا فإن الإيحاء بأن إسرائيل قد لا توافق على الخطة ليس سوى تكتيك تضليلي.

الجوهر أن ما يُطرح هو خطة إسرائيلية مفخخة تُسوق بلسان أميركي، تقوم على:

1. انسحاب تدريجي إسرائيلي من غزة مع بقاء حرية العمل الأمني الكامل، ما يعني عدم إعلان توقف حرب الإبادة بحق الشعب الفلسطيني، وضمان تنفيذ ما يرغب به نتنياهو في الإفراج عن كافة "الرهائن" خلال 72 ساعة لتهدئة الشارع الإسرائيلي.

2. إقصاء حماس ونزع او إلقاء السلاح واستبعاد أي دور جدي للسلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير، بما يشكّل نوعًا من الضغوط الجديدة لإدخال القيادة الفلسطينية في نفق الحلول السياسية الأميركية.

3. ترتيبات انتقالية تمتد من ثلاث إلى خمس سنوات، يشرف عليها خبراء دوليون بقيادة شخصية مثل توني بلير، وبإشراف مباشر لجنرال أميركي على أي قوات عربية قد تُزج في غزة او خارج الحدود.

4. إعادة إعمار ما دمره الاحتلال بأموال عربية خليجية.

وهنا يبرز السؤال الجوهري، ماذا سيحدث خلال هذه السنوات الخمس؟

التجربة اللبنانية مثال واضح، حيث يشرف جنرال أميركي على آلية اتفاق وقف إطلاق النار، ومع ذلك تواصل إسرائيل آلاف الخروقات اليومية بلا محاسبة. فكيف سيكون الحال في غزة، وهي ساحة أكثر هشاشة وأشد استهدافًا؟

ثانياً: سيناريوهات أخرى للمفاجأة.

بعيدا عن الخطة الانتقالية، قد يكون لترامب مقصود آخر من "المفاجأة"، مثل:

- تطبيع غير متوقع مع دولة عربية أو إسلامية كبيرة أو أكثر ، يمنحه إنجازا سياسيا ويمنح إسرائيل غطاءً إقليميا في محاولة إخراجها من العزلة ، وإعادة دور الولايات المتحدة في زمن سرعة المتغيرات الدولية.

- صفقة كبرى مع إيران تتعلق بالملف النووي أو بالدور الإقليمي ، بما يعيد رسم خرائط النفوذ ويُسوق كبديل عن الحرب ، رغم ما قد يثيره ذلك من غضب في إسرائيل وبعض دول الخليج وربما اساسا دون موافقة إيران على ذلك اذ لم تحقق ما ترغب به.

ثالثاً: التداعيات المستقبلية للخطة.

اذن فأن المفاجأة التي يروج لها ترامب ليست جديدة بقدر ما هي إعادة تسويق لخطة إسرائيلية قديمة بغطاء أميركي.

الخطة تتجاهل الحقوق الوطنية الفلسطينية السياسية وتفتح الباب أمام ترتيبات انتقالية خطيرة على مستقبل غزة والقضية الوطنية التحررية لشعبنا الفلسطيني بشكل عام، لكنها تفتح المجال امام استثمارات لشركات عالمية احتكارية لموارد غزة.

وهنا يبقى التحول الأساسي في أن أي خطة تُعمل اليوم وفق ترتيبات سابقة ستؤدي تدريجيا إلى:

1. إبعاد الفلسطينيين عمليا عما يجري من ترتيبات، مع استمرار التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس، ما يجعل مبدأ إقامة الدولة الفلسطينية، رغم الاعترافات الدولية المتزايدة بها، أمرا غير قابل للتنفيذ جغرافيا وسياسيا.

2. محاولة إلغاء سردية الحقوق الفلسطينية التاريخية تدريجيا ، ومنح إسرائيل شرعية تاريخية لرؤية الحركة الصهيونية رغم تزويرها للحقائق، من خلال إجراءات تتناقض مع مفهوم السيادة الوطنية على الارض كمكون اساسي لمفهوم الدولة وفق القانون الدولي وعزل وفصل التجمعات السكنية واستمرار محاصرة غزة ككيان منفصل، والتي سيحاولون فرضها على السلطة الوطنية تدريجيا ومن خلال اشتراطات تتعلق ايضا بالهوية والثقافة الوطنية وتغير المناهج وقضايا الأسرى وغيرها وربط ذلك بإجراءات مختلفة منها ما جاء في بعض شروط الاعتراف البريطاني مثلا واستمرار تقديم المعونات المالية .

ويبقى السؤال او التحدي الاساس امام شعبنا بكل فئاته ومكوناته وامام منظمة التحرير بحكم مكانتها التمثيلية وكصاحبة الولاية السياسية والجغرافية على كل أراضي دولة فلسطين المحتلة حكماً بالاتفاقيات الأممية، هو كيف سيكون التعامل مع تلك الخطة بما يحقق المصالح الوطنية الفلسطينية، وتحرر شعبنا من فكر الاستعمار الكولنيالي؟

 

 

 

Loading...