يتحدث كثيرون حول أهمية انطلاقة انتفاضة فلسطينية ثالثة. ثمة عوامل أساسية لقيام انتفاضة فلسطينية ثالثة؛ لا تقتصر بطبيعة الحال على ما يجري في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس من محاولات متسارعة لفرض الأمر الواقع التهويدي عبر بناء المستعمرات، أو قضية الأسرى على أهميتها البالغة، بل تتعدى تلك الملفات إلى كل ما يتصل بسياسات الاحتلال وخاصة عمليات الابادة الجماعية المستمرة منذ عام 1948.
عدم وجود حواضن
في مقابل العوامل التي تؤسس لانتفاضة فلسطينية ثالثة، هناك شكوك حقيقية في وجود حواضن شعبية واقتصادية كمرتكزات أساسية للانتفاضة واستمرارها بغية تحقيق أهداف وطنية فلسطينية معينة.
في الجانب الاقتصادي على سبيل المثال لا الحصر، يؤكد محللون اقتصاديون أن السياسات الاقتصادية الإسرائيلية خلال العقود الماضية من الاحتلال، أدت إلى سيطرة إسرائيلية شبه كاملة على عناصر الإنتاج في الاقتصاد الفلسطيني. وتبعاً لذلك سيطرت إسرائيل على أهم مفاتيح هذا الاقتصاد ومقدراته والمتمثلة أساساً في حركة العمال والتجارة الخارجية، فضلاً عن المصادر المائية المتاحة، وأبقت اتفاقية أوسلو وما تلاها من اتفاقيات اقتصادية السيطرة الإسرائيلية الكاملة على الاقتصاد الفلسطيني، الأمر الذي أوقع السلطة الفلسطينية التي قامت في ربيع 1994 في شرك المساعدات الدولية المشروطة، ما جعل أداءها واستمرارها مرهونين بتلك المساعدات التي لم يتحسسها المواطن الفلسطيني في الضفة والقطاع بشكل مباشر، هذا جنباً الى جنب مع استمرار الانقسام الفلسطيني الحاد حتى اللحظة رغم المخاطر التي تواجه القضية الفلسطينية برمتها.
السلطة على كف عفريت
أدى التعنت الإسرائيلي خلال مفاوضات مديدة مع منظمة التحرير الفلسطينية وبدعم من الإدارات الأمريكية، إلى عدم حصول الفلسطينيين على أي حق من حقوقهم الوطنية، وتُوج ذلك بصفقة القرن من قبل ادارة ترمب الاولى لتصفية القضية الفلسطينية وذلك عام 2019 وطرح صفقة ترامب بحلتها الجديدة الان في ادارته الثانية لكن بمسمى خطة ترامب؛ وهي بطبيعة الحال تؤكد على الانحياز المطلق للتوجهات الاسرائيلية الرامية إلى تهويد الزمان والمكان الفلسطينيين.
ورغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية، لا تزال مرتهنة بشكل مطلق لأموال المانحين وشروطهم المجحفة، وتالياً عدم استفادة المواطن الفلسطيني الذي لم يتحسسها أصلاً. وفي ظل تحولات المشهد السياسي فإن السلطة الفلسطينية باتت على كف عفريت قي وقت يستمر فيه الانقسام الفلسطيني المديد والبغيض؛ ولهذا لا يمكن الحديث عن انتفاضة ثالثة واستثمار نتائجها سياسيا. وإذا تمت الانطلاقة دون برنامج وسبل كفاحية سياسية وكفاحية موحدة سيكون الشهداء والجرحى والاسرى مجرد مادة إعلامية خصبة للتحليلات السياسية والاستراتيجية وأخبار الفضائيات ومراسليها.